هل ستجلب الإنتخابات بزوغ فجرٍ جديد لكوسوفو؟
يأمل أغلب أهل كوسوفو أن تبشّر الإنتخابات الوطنية التي ستُعقد في فبراير/شباط وتشكيل حكومة ائتلافية جديدة ببزوغ عصر جديد واعد من شأنه أن يحسّن إلى حد كبير من الحياة اليومية للناس العاديين. ولكن هل ستكون الحكومة الجديدة قادرة على تلبية قدر كبير من توقعات الشعب؟
يأمل أغلب الناخبين في أي انتخابات وطنية نزيهة وحرة في كوسوفو أن تشرق شمس فصل جديد من التاريخ وأن يحمل معه آفاقاً أفضل للنمو والازدهار والأمن. ونظراً للمناخ السياسي الحالي في كوسوفو، يبدو الجمهور متضارباً؛ إذ تريد أغلبية نسبية أن ترى كورتي يعود إلى سدة الحكم، ولكنهم يريدون أيضاً المزيد من التقدم الملموس في مجموعة من القضايا المحلية والتقدم الملموس في الحوار بين كوسوفو وصربيا. ولمعرفة كم سيتحقق من هذا كله، يتعيّن علينا أن ننتظر نتيجة الإنتخابات، عندما يرى الجمهور أي حزب سوف يشكل حكومة ائتلافية تستجيب لاحتياجات الجمهور وتوقعاته.
من المتوقع أن تكون الانتخابات المقبلة شديدة التنافسية، وهو ما يعكس البيئة السياسية المجزأة في كوسوفو. هناك 28 كيانًا سياسيًا مختلفًا، بما في ذلك 20 حزبًا، و5 ائتلافات، ومبادرتان مدنيتان، ومرشّح مستقل واحد يخوض هذه الإنتخابات. والمتنافسون الرئيسيون هم حزب فيتيفيندوسجي (Vetevendosje) الذي يتزعمه كورتي ورابطة كوسوفو الديمقراطيةLDK) ) بقيادة لومير عبديشيكو وحزب كوسوفو الديمقراطي (PDK) بقيادة ميملي كراسنيكي الذي يكتسب المزيد من الدعم في بلديات مختلفة مقارنة بكورتي.
ونظرًا لأن الحملة الإنتخابية بدأت في وقت أبكر من المعتاد، فقد تفاقمت بسبب الأجواء المتوترة بين الأحزاب السياسية الصربية والألبانية. ومن المرجح أن تتشكل نتيجة الإنتخابات ليس فقط من خلال المخاوف الداخلية للبلاد ولكن أيضًا من خلال العلاقة بين هذه الأحزاب. هناك بعض المخاوف من أن صربيا قد تحاول تعطيل العملية الإنتخابية، وخاصة في المناطق ذات الأغلبية السكانية العرقية الصربية. قد تشجع بلغراد مقاطعة الناخبين ونشر معلومات مضللة، ولكن لا يوجد دليل قاطع على التدخل الصربي. إن رئيس الوزراء كورتي مرشح للفوز بأكثرية الأصوات وليس بأغلبية الأصوات وقد يحتاج إلى دعم أحزاب أخرى لتشكيل الحكومة الائتلافية المقبلة. ولكن على أية حال، المشهد السياسي قد يتغير، ولو أن هذا قد لا يكون كافياً لحرمانه من ولاية ثانية.
وعلى الصعيد المحلي، فقد حقق كورتي خلال فترة ولايته بعض التقدم على عدة جبهات. فقد شهدت كوسوفو بعض النمو الإقتصادي، وانخفضت معدلات البطالة، وارتفع الحد الأدنى للأجور؛ ولا تزال مكافحة الجريمة المنظمة قيد التنفيذ. وفي الإدارة العامة، لا تزال هناك جهود مستمرة لإصلاح الخدمات المدنية وتبسيط أنظمة الرواتب. وعلى صعيد الدفاع، زاد كورتي ميزانية التدريب وشراء المعدات العسكرية.
ولكن كانت هناك إخفاقات محلية كبيرة أيضاً.
الإقتصاد:
لم يأت أي مستثمرين أجانب إلى كوسوفو على مدى السنوات الأربع الماضية، ويرجع ذلك أساساً إلى تصريحات كورتي المتكررة بأن صربيا تنوي شن حرب على كوسوفو، الأمر الذي ثبّط عزيمة العديد من المستثمرين. وفي حين زادت الواردات، انخفضت الصادرات، مما أدى إلى عجز تجاري بلغ 5 مليارات يورو. وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل التضخم، وأصبحت السلع الإستهلاكية باهظة الثمن بحيث لا يستطيع الفقراء شراؤها.
التوظيف والهجرة:
وفقًا للبيانات الإحصائية، بلغ متوسط البطالة 10.7 في المائة. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، غادر أكثر من 150 ألف شخص كوسوفو. وعلاوة على ذلك، في عام واحد فقط، هاجر حوالي 100 طبيب وممرضة من كوسوفو إلى دول الإتحاد الأوروبي، وخاصة إلى ألمانيا، التي وفرت العديد من فرص العمل للكوسوفيين.
نظام الرعاية الصحية:
لا يزال نظام الرعاية الصحية غير فعّال، حيث لا يزال العديد من المواطنين يسعون للحصول على خدمات الرعاية الصحية في صربيا ومقدونيا الشمالية وتركيا ودول أخرى في الإتحاد الأوروبي. وقد أدى هذا إلى إنفاق مئات الملايين من اليورو في السنوات الأخيرة على العلاجات الطبية في الخارج. يمكن أن تكلف علاجات سرطان الدم وحدها حوالي 200 ألف يورو للشخص الواحد. وعلاوة على ذلك، فإن التأخير في تنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد أمر مثير للقلق، ولا تزال المحسوبية في الحكومة دون رادع.
المخاوف البيئية:
أفادت اليونيسف مؤخرًا أن جودة الهواء في كوسوفو تحتوي على 25 ضعف الحد المسموح به من الملوّثات الخطيرة للأطفال، مما يجعلها من بين الأسوأ في أوروبا.
سجلّ كورتي في العلاقات الخارجية مختلط. لقد ركّز كورتي بشكل مفرط على العلاقات بين صربيا وكوسوفو، وما زال اتفاق أوهريد الذي يرعاه الإتحاد الأوروبي غير محقّق. وما زال التوتّر بين كوسوفو وصربيا مرتفعاً في حين لم تحقق كوسوفو سوى تقدم محدود في علاقاتها مع البلدان الأوروبية الأخرى. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو العلاقات المتوترة المستمرة بين كوسوفو والإتحاد الأوروبي، والتي تشكّل شرطاً أساسياً لأمن كوسوفو ونموها. فضلاً عن ذلك، لم يحقق كورتي سوى تقدم ضئيل في توسيع العلاقات مع البلدان الأوروبية الأخرى، وهو أمر أساسي لتعزيز استقلال كوسوفو.
الحوار بين صربيا وكوسوفو:
لم يتحقّق سوى تقدّم ضئيل للغاية بين صربيا وكوسوفو على مدى السنوات الأربع الماضية. ونظراً لأهمية الحوار، فمن المتوقع أن يدفع الإتحاد الأوروبي باتجاه استمراره. وسوف يسعى الإتحاد الأوروبي إلى تنفيذ الإتفاق القائم، وخاصة اتفاق أوهريد، المعروف باسم اتفاق الطريق إلى التطبيع بين كوسوفو وصربيا. وكان أحد أهم أحكام الحوار تنفيذ رابطة البلديات الصربية، وهو ما رفضته كوسوفو. وفي الوقت نفسه، اعترض الرئيس الصربي فوتشيتش على أيّ جانب من جوانب الإتفاق يتضمن الإعتراف باستقلال كوسوفو.
وبسبب التوتّر المستمر بين البلدين، فإن الإفتقار إلى الثقة والمرونة سيستمر في إعاقة أي تقدم ذي مغزى نحو التطبيع ما لم تتغير ديناميكية هذه القضية المتضاربة. وفي حين يواجه الطرفان ضغوطاً متزايدة من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة اللتين تعتبر مشاركتهما ضرورية لدفع الحوار بين صربيا وكوسوفو إلى الأمام، فإن المظالم التاريخية العميقة الجذور والمصالح السياسية المتضاربة لا تزال تعيق التقدم. وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من الدور الذي لا غنى عنه للإتحاد الأوروبي، فإن نفوذه على البلدين محدود، وخاصة لأن الإتحاد الأوروبي لا يستطيع أن يقدم مساراً واضحاً للعضوية.
ومن المتوقع أن يطرح الدبلوماسي الدنماركي بيتر سورنسن، الذي من المقرر أن يصبح الممثل الخاص للإتحاد الأوروبي للحوار بين صربيا وكوسوفو اعتباراً من 25 فبراير/شباط، استراتيجية جديدة تسعى إلى تحقيق نتائج عملية بدلاً من الإنخراط في مناقشات تافهة. وسوف يعتمد نجاح سورنسن أيضاً على قدرته على تعزيز الثقة بين الطرفين وتشجيع التسويات المفيدة للطرفين. إن سورنسن يتمتع بمكانة جيدة تسمح له بالتوسط في القضايا المعقدة، ولكن بغض النظر عما سيقترحه سورنسن، فإن صربيا وكوسوفو لابد وأن تكونا على استعداد للتعاون البناء فيما بينهما. والسؤال المهبّط الهمّة هنا هو كيف يمكن للجانبين أن يتفقا على أي شيء في حين تظل القضية المركزية هي الإعتراف المتبادل، وهو الأمر الذي تعارضه صربيا بشدة؟
وهناك العديد من التحديات المحلية والخارجية التي لابد وأن تركز عليها حكومة كوسوفو الجديدة لتلبية توقعات الشعب:
العلاقات الخارجية:
على الرغم من أن الهدف النهائي لكوسوفو هو تحقيق الإعتراف المتبادل مع صربيا، إلا أن هذا الهدف لا يزال بعيد المنال. ولن يتحقق هذا الهدف إلا إذا اتفق الجانبان على عملية مصالحة تتضمن خطوات ملموسة على الأرض.
ولا بد من اتخاذ التدابير التالية لإحراز بعض التقدم نحو الإعتراف المتبادل:
أولاً وقبل كل شيء يتعيّن على الحكومة الجديدة تحسين علاقاتها مع الإتحاد الأوروبي. ويتعيّن على الجانبين الإتفاق على كل القضايا، وخاصة فيما يتصل بالحوار بين صربيا وكوسوفو وجميع المسائل المتعلقة بالأمن.
ثانياً، يتعين على الحكومة الجديدة احترام الاتفاق السابق وتنفيذ رابطة البلديات الصربية طالما كانت متّسقة مع دستور كوسوفو. ولا يوجد في الدستور ما يحظر الحكم الذاتي للشمال الذي يهيمن عليه الصرب.
ثالثاً، لابد من تعزيز العلاقات بين صربيا وكوسوفو من خلال التجارة والتبادل الثقافي والجهود المشتركة لمعالجة المشاكل البيئية وتوزيع المياه وزيادة السياحة والعديد من التفاعلات بين الناس.
رابعا، يتعيّن على كوسوفو أن تبذل كلّ جهد ممكن لكسب الإعتراف من الدول الخمس الأعضاء في الإتحاد الأوروبي وهي ــ إسبانيا وقبرص وسلوفاكيا ورومانيا واليونان ــ التي لم تعترف بها، وهو شرط أساسي للعضوية في الإتحاد الأوروبي في نهاية المطاف.
وخامسا، يتعيّن على كوسوفو أن تكسب دعم إدارة ترامب من خلال إظهار استعدادها للتعاون، وخاصة فيما يتعلّق بالأمن والحد من التوتّر مع البلديات ذات الأغلبية الصربية.
وعلى الصعيد المحلي:
لا ينبغي للحكومة الجديدة أن تركّز على صربيا بل أن تركّز على عدة جبهات محلية، بما في ذلك استئصال الفساد، وإنهاء المحسوبية، وجعلها جذابة للمستثمرين الأجانب (وهو ما سيساعد في خلق عشرات الآلاف من الوظائف بأجور أعلى)، وتحسين نظام الرعاية الصحية بشكل جذري وجعله أكثر جاذبية للأطباء والممرضات للبقاء في البلاد، ومعالجة الحاجة الماسة إلى الحد من التلوث، والإستثمار في المدارس والجامعات التي تركز على التكنولوجيا وهندسة الكمبيوتر، والشروع في مكافحة عدوانية شديدة للجريمة المنظّمة.
إن كل هذه البرامج تتطلب بالطبع تمويلاً كبيراً والذي يمكن خلقه من مصادر عديدة، بما في ذلك: تحسين الإمتثال الضريبي وتعزيز ضريبة الأملاك وإصدار السندات لمشاريع البنية الأساسية والحصول على منح من البنك الدولي والقروض والإئتمانات الإضافية من صندوق النقد الدولي والتركيز على التحول الأخضر ودعم القطاع الخاص وتطوير مشاريع التنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، الحصول على منح من الإتحاد الأوروبي للمدارس وتدريب المعلمين والحصول على المزيد من المساعدات الإقتصادية من الولايات المتحدة لبناء مستشفيات جديدة وبنية أساسية خضراء وتخزين الطاقة وتعزيز شبكات الكهرباء، وخاصة للطاقة المتجددة، وتحويلات المغتربين من كوسوفو العاملين في الخارج وتوسيع الشراكات مع الأفراد.
لا شك أن الحكومة الجديدة سوف تواجه عملاً شاقاً. ومع ذلك، فإن تحقيق تقدّم كبير يتطلب الإلتزام والجهد المستمر على جميع الجبهات. وإذا فاز كورتي وشكّل الحكومة الجديدة، فيتعيّن عليه أن يتعلم من خبرته التي امتدّت لأربع سنوات. والسؤال هو، هل سيرتقي إلى مستوى التحدي؟