All Writings
أغسطس 14, 2017

يتعذّر الدفاع عن معاملة الأكراد في تركيا

المقالة التالية هي رد على رسالة علنيّة كتبها إبراهيم كورتولوس إنتقد فيها مقالتي السابقة عن محنة الأكراد في تركيا. كورتولوس عضو في اتحاد الجمعيات الأمريكية التركية، وبإمكانك الإطلاع على رسالته كاملة من هذا الموقع.

بالنظر إلى محنة الأكراد في تركيا والحاجة إلى إيجاد حل للصراع العنيف الذي دام 40 عاما بين حزب العمال الكردستاني والحكومات التركية المتعاقبة، اعتقدت أنه من المهم للغاية الرد على نقد السيد كورتولوس حول ما جاء في مقالتي السابقة وأن أسلط الضوء على سوء المعاملة الرهيبة التي يعاني منها الأكراد تحت حكم اردوغان الإرهابي. كورتولوس يلجأ إلى السخافات الجامحة وإلى عدم الأمانة والتضليل  لدحض موقفي، ولكن دون جدوى. إنّ تحيزه الأعمى ونفاقه قد “تألّقا” في جميع ارجاء حججه المضادة التي هي على الشاشة ليراها الجميع. وفي الوقت نفسه لا يزال الأكراد يعانون، وهم الذين يدفعون الثمن.

ولكي نضع الأمور في نصابها، من المهم تحديد هوية السيد كورتولوس وإبراز سلوكه المشتبه فيه، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول مصداقيته ونزاهته.

هذا الرجل تواطأ علنا مع مايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق للرئيس دونالد ترامب الذي طرده من منصبه. لقد كتبت صحيفة “واشنطن بوست” بأن مايكل فلين، وهو خادم متزلف مأجور للحكومة التركية، “قد أسقط كورتولوس في القسم الذي يتطلب افصاحات اكثر تحديدا لمصادر الدخل في العام الماضي”. وتمويل كورتولوس لفلين كمتحدث نيابة عن المصالح التركية يجعله متواطئا في تصرفات رجل أظهر سلوكا مخادعا في منصبه الرفيع.

يصف كورتولوس نفسه بأنه “لا علاقة له بالحكومة التركية”، ولكن نظرة سريعة على سجله العام تكشف صلاته بالموالين لأردوغان وحتى أفراد أسرة أردوغان. هناك العديد من الحالات التي تظهر كورتولوس في مهامّ عامة جنبا إلى جنب مع هلال موتلو، وهذا ناشط وابن عم للرئيس التركي، و كورتولوس استغل علاقاته مع موتلو لإقناع الجنرال فلين أن فتح الله غولن كان المتآمر الرئيسي لمحاولة الإنقلاب الفاشلة التي جرت في 15 يوليو 2016.

وادعاؤه الأول بأنني إما “صديق للأكراد أو كاره للأتراك، أو كليهما” هو إدعاء غير عقلاني.فأي سبب يجعل من تعاطفي مع القضيّة الكرديّة شخصا ً يكره الشعب التركي ؟ وبالمثل، فإن احترامي للشعب التركي لا يترجم إلى كراهية الأكراد. لقد القيت اللوم في مقالتي بالتساوي على كل من حزب العمال الكردستاني وأردوغان على دائرة العنف المستمرة التي تدمر جنوب شرق تركيا وتقتل عشرات الأكراد الأبرياء والأتراك على حد سواء، وهذا من الصعب أن يجد تأييد أو موافقة من جانب ٍ واحد .

إن الإعتراف بحقيقة دورة العنف القاتلة لا يجعلني مروّجا ً لقضية الأكراد نيابة عنهم كما يدعي كورتولوس. لا يمكن لأحد في تركيا اليوم أن يعبر عن أي معارضة ضدّ إردوغان ويفعل ذلك مع الإفلات من العقاب. ولكن لا أحد يستحقّ المزيد من الإنتقاد اللاذع أكثر من إردوغان نفسه لإلحاقه الكثير من الألم والمعاناة على الملايين من المواطنين الأتراك الأبرياء، هذا في الوقت الذي يتقلّد فيه صلاحيات ديكتاتورية ويقوم بتفكيك أسس الديمقراطية في تركيا.

الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني طويل ودموي، ولا يمكن للمرء أن يعزو القتل فقط إلى حزب العمال الكردستاني، حيث قتل الآلاف من الجانبين. يجب أن يكون التركيز على منع المزيد من إراقة الدماء، وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا التزم كلاهما باستئناف مفاوضات السلام بنية حسنة. حزب العمال الكردستاني معترف به بالفعل كمجموعة إرهابية من قبل العديد من البلدان، ولكن كيف يوفّق كورتولوس ذلك مع حقيقة أنّ أردوغان نفسه تفاوض مع هذه “الجماعة الإرهابية”؟

لقد أشار عبد الله أوجلان، زعيم الأكراد المسجون، مرارا وتكرارا إلى أنه مستعد وراغب لاستئناف المفاوضات، ولكن أردوغان هو الذي يرفض استئناف محادثات السلام التي انقطعت فجأة في عام 2015. في الواقع، إلتمس منه رئيس وزرائه في ذلك الوقت، أحمد داود أوغلو، ألاّ يفعل ذلك من أجل البلد واستقراره في المستقبل. متى سيفهم اردوغان وأناس أمثال كورتولوس بان المشكلة الكردية في تركيا لا يمكن ببساطة محوها من أرض الواقع ؟ وأردوغان سيفشل مثل أسلافه في محاربة حزب العمال الكردستاني “حتى قتل آخر متمرّد”.

للأكراد الأتراك كلّ الحق في أن يعيشوا حياتهم كما يرونها مناسبة وأن يظلّوا في نفس الوقت مواطنين مخلصين لبلادهم. فمن يعطي كورتولوس أو أردوغان الحقّ أن يملي الطريقة التي ينبغي أن يعيش بها الأكراد وأن يحرمهم من تراثهم الثقافي؟ بأية طريقة سيؤثّر ذلك على تركيا خصوصا عندما يدعي منافقون مثل كورتولوس أن تركيا بلد ديمقراطي ؟

اسمحوا لي أن أكون واضحا تماما وأقتبس مباشرة من مقالتي: “أنا لا أؤيد، وأنا أدين أي فرد أو جماعة تستخدم القوة الوحشية لتحقيق مكاسب سياسية أو اجتماعية بغض النظر عن مصدرها والدافع والأيديولوجية أو المعتقد”. وهكذا  فأنا لا أحول أوجلان إلى “نوع من الأبطال” كما يوحي كورتولوس. ومع ذلك يبقى أوجلان زعيم القضية الكردية في تركيا وهو أفضل قناة لتحقيق تسوية سلمية، خاصة بالنظر إلى استعداده الماضي والحاضر للمشاركة في مفاوضات جادة لإنهاء هذا الصراع المزمن.

من المؤكد أن تصنيف حزب العمال الكردستاني كمجموعة إرهابية هو تصنيف تعسفي،  فقد تم إدراج حزب المؤتمر الوطني الأفريقي بزعامة نلسون مانديلا كمجموعة إرهابية حتى عام 2008، ومانديلا نفسه قضى في السجن مدة 26 عاما. فمن يرى اليوم مانديلا كإرهابي؟ ومرة أخرى، أشير إلى تعليقاتي السابقة بشأن مفهوم ما هي الجماعة الإرهابية في هذا السياق – فمشاركة أردوغان مع حزب العمال الكردستاني ستجعله متعاطفا مع الإرهابيين وفقا لمنطق كورتولوس.

يقول كورتولوس إن تعليقاتي على التمييز الذي يواجهه الأكراد تجعلني ” فقط خطوة أبعد عن الإدعاء بأن الأكراد يرتدون نجوما صفراء”. إنني أدين بأقوى العبارات إستفزازات كورتولوس الدنيئة لاستحضار ممارسات الحقبة النازية، الأمر الذي يبيّن كم هو جاهل وأعمى عن الأحداث التاريخية، وخاصة أحداث تلك الفترة.

هناك تاريخ طويل من التمييز ضد الأكراد في تركيا مستمر حتى اليوم وقد يستغرق سرد ذلك بالتفصيل وقتا طويلا جدا. لقد تم قمع اللغة الكردية على مدى عقود، ولم يسمح للمدارس التي يديرها الأكراد بالعمل، وكان هناك إعادة توطين قسري، فمعالجة كورتولوس الدالة على قلة الإحترام لهذا التاريخ الموثق جيدا أمر مثير للدهشة.

ويشكك كورتولوس في ولاء 14.000 معلم كردي تم عزلهم مؤخرا من مناصبهم بسبب ادعاءات لا أساس لها عن وجود جمعية إرهابية. نحن نتحدث عن معلمين مدنيين أبرياء، في حين أن كورتولوس يدعي الإدعاء الاستثنائي بأن جميعهم من إرهابيي حزب العمال الكردستاني أو لديهم انتماءات ذات صلة، ولم يقدّم أيّ دليل أو برهان عن إستحقاقية لوم المعلمين. إنه، بدلا من ذلك، يغض الطرف عن الإساءة المستمرة والتمييز ضد الأكراد ويعبد أردوغان لقيامه بسجن الآلاف من المعيلين وترك أسرهم في قنوط تامّ.

لقد تم تهميش النواب الأكراد المنتخبين ديمقراطيا وتم طرد حزبهم من البرلمان. من الواضح لماذا استهدفهم أردوغان، فالقوة الإنتخابية المتنامية للحزب الديمقراطي الشعبي المؤيد للأكراد كانت عقبة في سعي أردوغان إلى السلطات الديكتاتورية. وكما قال أردوغان نفسه بلا خجل، فإن الإنقلاب الفاشل كان “هدية من الله” إنتهزها لتحقيق حلمه الشرير في التخلّص من أي شخص يقف في طريقه مع التركيز بشكل خاص على الأكراد وأتباع عدوه اللدود فتح الله غولن.

كورتولوس يوحي بأنني كنت أدعو إلى إستقلال الأكراد، وهذا لم أفعله. لقد تحدثت إلى عشرات من البرلمانيين الأكراد على مر السنين؛ ولم يكن أيّ من هذه اللقاءات يعني ضمنا أنهم يسعون إلى الإستقلال، وبالتأكيد أنهم لا يطالبون بتسليم أي جزء من الأراضي التركية. وهنا مرة أخرى يختار كورتولوس توجيه إتهامات ليس لها أساسا ً من الواقع. بأية طريقة يُترجم مطلب الأكراد على أن يكون لهم بعض الحرية  في إدارة شؤونهم المحليّة  إلى تنازل عن الأرض من قبل الأتراك ؟ فقط الناس الذين يرغبون في تشويه الواقع يفهمون من ذلك بأن ما يتطلع إليه الأكراد يعادل الإستقلال السياسي.

اسمحوا لي أن أكرر القول بأن ولاء الأكراد لتركيا ورغبتهم في أن يكون لهم حرية التمتع بثقافتهم ولغتهم ليستا قضيتين متناقضتين. إنهما في الواقع  يكملان بعضهما بعضا كما هو الحال في أي بلد ديمقراطي حقيقي يثري فيه التنوع الثقافي التماسك الاجتماعي بدلا من أن يقوضه. وتقدّم الولايات المتحدة حالة مثالية تشهد على صحة هذه الحقيقة.

ومثل كل ما قدمه من أخطاء في تصريحاته، يعادل كورتولوس حزب العمال الكردستاني بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وهو أمر سخيف كبقية حججه. لقد أدان العالم بأسره، بما في ذلك أنا شخصيّا ً، داعش بجميع الطرق الممكنة لأنّ هذا التنظيم اغتصب أراضي من دول ذات سيادة واستخدم قوة وحشية في المناطق التي يحكمها. فبأية طريقة يتشابه إذن الأكراد الأتراك بداعش؟ إن تشابهات كورتولوس الكاسحة تتوافق مع إنكاراته الكاسحة إذ أنه على ما يبدو يجد متعة بالغة في الأوهام حيث يجد الحمقى الراحة.

وفي جزء آخر من رسالته المفعمة بالطّعن والذمّ ينحرف كورتولوس إلى سخافة غير متسلسلة تستحق الرد فقط بسبب السخافة والعبث المطلقين والأكاذيب التي حاكها بمتعة. لم يسبق لي أن قلت أبدا ً بأن “الأتراك لا ينتمون إلى الجنس البشري”، ولن أدلي بمثل هذه التصريحات المنحرفة والمنحطّة في حين أنني في الواقع أكنّ للشعب التركي إعجابا ً هائلا ً.  وقد أكّد كورتولوس بذلك من جديد على جهله المطلق بعملي وإدمانه على الأكاذيب والتحريفات .

إن إنكاره الإبادة الجماعية للأرمن تتكلم بحدّ ذاتها مجلّدات عن الأرضيّة الثقافية المهزوزة التي يقف عليها. لم أتطرّق في أي نقطة من مقالتي للإبادة الجماعية الأرمنية ، وأنا لن أقحم نفسي في مناقشة تاريخية حول هذا الفصل المظلم في أيام نزاع الإمبراطورية العثمانية. كل ما أستطيع قوله هو أنه لا يجوز إلقاء اللوم على جمهورية تركيا الحديثة والشعب التركي لما اقترفه أجدادهم من خطايا ، تماما كما لا ينبغي أن يلوم أحد في عقله الصحيح ألمانيا اليوم وشعبها على الفظائع التي ارتكبتها ألمانيا النازية قبل ثلاثة أجيال.

لا يستطيع كورتولوس الإدعاء بأن “تركيا لا تزال ديمقراطية”، ويتوقع أن يؤخذ على محمل الجدّ. ويمكنني أن أشير إلى طرد الآلاف من موظفي الخدمة المدنية دون أي دليل على تورطهم في الإنقلاب الفاشل؛ وإلى عشرات الصحفيين المعتقلين فقط لأنهم يؤدون مهامهم؛ وإلى الإستفتاء المخزي الذي أجري أثناء حالة الطوارئ؛ وإلى رفع الحصانة البرلمانية من أجل استهداف الأعضاء الأكراد في البرلمان؛ وإلى القوانين التي تجرم الخطاب المسىء لأردوغان؛ وإلى القضاء على النظام القضائي التركي من أجل قيام أردوغان بتثبيت سلطاته، وإلى مطاردة أي شخص يشتبه في وجود أي انتماء له بحركة غولن، وهلم جرّا. القائمة ليست شاملة كلّ شيء بأي حال من الأحوال، ولكنها توضح الحالة المحزنة للواقع التركي اليوم – واقع أصبح خاضعا ً تماما ً لعبادة شخصية أردوغان.

إنني أتمسّك بموقفي بأن للأكراد الأتراك الحق في التمتع بالحرية والأمن كمواطنين مخلصين. لقد حان الوقت لأن يدرك جميع المواطنين الأتراك هذا الواقع وأن يطالبوا باستئناف محادثات السلام لإنهاء استمرار الموت والدمار اللذين يمزقان النسيج الإاجتماعي لبلدهم بينما يُحرم 15 مليون كردي من حقوقهم الإنسانية الأساسية.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE