Normal 0 false
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
بالرّغم من أن جهود إدارة الرئيس أوباما لاستئناف مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية لم تضفي حتى الآن لنتائج ملموسة، غير أنّ فرصة اختراق في المفاوضات قد تكون الآن أقرب من أي وقت مضى في السنوات المنصرمة. وعلى الرّغم من التشكك المتأصّل حول إمكانية التوصل إلى تقدّم فعلي، غير أن انعكاس بعض التطورات الإقليمية والدولية قد غيّرت الديناميكية السياسية وخلقت سلسلة جديدة من الفرص للتوصل إلى تسوية بالتفاوض. وتحظى إدارة الرئيس أوباما بفرصة أكبر للنجاح من أية إدارة أمريكية سبقتها طالما هي باقية على إصرارها وعدم التنازل عن مواقفها وفي نفس الوقت واضعةً الهدف النهائي نصب أعينها. وهناك ستة عوامل جعلت هذه اللحظة التاريخية ناضجة للتوصل لتقدم جذري إن لم يكن تحقيق سلام إسرائيلي – فلسطيني حقيقي.
لا شك أن قيام إدارة الرئيس أوباما بالدفع المبكر لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية قد خلق إحساساً من الاستعجال بأن الوقت قد حان لوضع نهاية لهذا الصراع المدمّر. ويشير اهتمام الرئيس أوباما المبكّر بأن الولايات المتحدة تنظر إلى الصراع الإسرائيلي – الفلسطينيمن من زاوية أوسع وتدرك بأن استمراره ينعكس على صراعات وأزمات إقليمية أخرى ويؤثر فيها وعليها ويمنع كذلك العديد من الدول العربية والإسلامية التي ترغب من حيث المبدأ في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل من فعل ذلك. أضف إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تعي جيداً دورها المركزي في تسهيل السلام، وإصرار أوباما على تجديد المفاوضات يبيّن إدراكه بأن عسر معالجة الصراع العربي – الإسرائيلي والتشكك المتأصّل في جميع اللاعبين السياسيين المشتركين في النزاع يحتاج إلى وقتٍ لبناء الثقة ما بين الأطراف المتنازعة.
وفي حين تكلّمت الإدارات الأمريكية السابقة عن متطلبات السلام، غير أن إدارة أوباما تفعل الآن شيئاً ملموساً للإصرار على بعض هذه المتطلبات، طالبةً من الإسرائيليين الإعلان عن قرار رسمي بتعليق نشاطات الاستيطان في الضفة الغربية ومن الدول العربية فتح قسم تجاري في إسرائيل والسماح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء العربية وهما قضيتان في نقطة واحدة. وتعطي المشاركة المبكرة دلالة واضحة على أن الاستثمار القوي لرأس المال السياسي من قبل إدارة أوباما لن يسمح للولايات المتحدة أن تلوذ بالفرار من مسئولياتها. لقد بيّن أوباما عن نواياه بوضوح بأنه يريد أن يرى اختراقاً في المفاوضات في الاجتماع الثلاثي
– 2 –
الذي استضافه هذا الأسبوع ما بين نتنياهو، عباس وشخصه. يجب على جميع الجهات أن تكون مستعدّة الآن للرحلة الطويلة، هذا في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة لتوفير ما تحتاجه هذه الأطراف من غطاء سياسي للقيام بالتنازلات المطلوبة.
والعامل الثاني المهمّ الذي رافق إقحام الإدارة المبكّر في العملية السلمية هو الهدوء العام الحالي. لأسباب واضحة، لا شيء يعطّل العملية السلمية أكثر من أعمال العنف التي تبدّد عند أيّ من الطرفين كلّ رغبة في التعاون سياسياً. ففي الضفة الغربية أدركت السلطة الفلسطينية بأنه لن يكون هناك تقدّم إلاّ تحت ظرف هدوء ملموس. والجهود الحقيقية لقوات أمن السلطة الفلسطينية لمنع أية أعمال عنف لا مبرر لها ضد الإسرائيليين قد أقنعت إسرائيل بالشروع بتخفيف عبء الاحتلال على المدنيين الفلسطينيين. لقد قام الجيش الإسرائيلي بإزالة العشرات من حواجز الطرق وبدأ التحسن الاقتصادي بالظهور في جميع أرجاء الضفة الغربية.
لقد خلق الإثبات الواضح للنمو الاقتصادي والازدهار في الضفة الغربية تبايناً شديداً للوضع في غزة والذي أظهر لجميع الأطراف المشاركة في النزاع بأن الاعتدال يؤدي إلى نتائج إيجابية. لم تحظى حماس بهذا التطوّر. وبالرّغم من أن التزام حماس بالهدنة قد يكون في الحقيقة أمراً تكتيكياً، غير أن عملياتها ما زالت بدافع رغبة هذه الحركة بتغيير ديناميكية علاقاتها مع إسرائيل، وبالأخص بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير لقطاع غزة في شهر كانون أول /ديسمبر 2008 وخسائر حماس العسكرية والسياسية الفظيعة نتيجة هذا الاجتياح. أضف إلى ذلك أنه نظراً لأن حماس أخذت تخسر المزيد من الدعم الشعبي لها مقارنة بالسلطة الفلسطينية، فإن قيادتها توّاقة لإظهار بعض التقدم على الجبهة السياسية. وللتوصل إلى هذا الهدف، فإن حماس تعمل من خلال وسطاء مصريين للتفاوض على تبادل أسرى مع إسرائيل والوصول إلى اتفاقية لتسهيل حركة المرور إلى غزة عبر المعابر الحدودية للسماح بمرور السلع والبضائع. والأهم من ذلك بكثير، فقد قال قادة حماس في أكثر من مناسبة بأنهم قد يقبلون بحلّ الدولتين على أساس حدود عام 1967، الأمر الذي يشير بأنهم يفكرون جدياً برياح التغيير السياسي في العالم العربي تجاه إسرائيل.
لقد تمّ فهم هذا التطور بصورة أفضل عندما فُُحص إتجاه التطور الثالث المهمّ في المناخ السياسي الحالي وهو الطبيعة المتطورة للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني والإعياء الذي يبدو أنه اكتنف جميع الأطراف. هذا يعني بأنه من الممكن تماماً أن يكون الإسرائيليون والفلسطينيون قد توصّلوا إلى مأزق لغير صالح
– 3 –
الطرفين بحيث أدركا من خلاله بأن استمرار العنف يقلّص تدريجياً – بدلاً من أن يزيد – فرصهما التفاوضية. هذا لا يعني بأن إسرائيل والفلسطينيين مستعدين لتسوية خلافاتهما وتوقيع معاهدة سلام اليوم. إنه يعني فقط بأن كلا الطرفين على ما يبدو قد توصّلا إلى قرار غير معلن مفاده أنّه بصرف النظر عمّا قد يستغرقه هذا الصراع من وقت، لا يستطيع أي من الطرفين تحسين موقفه إلى حدّ يضمن فيه عدم رجوع الأعمال العدائية والمعاناة. ويمكن مشاهدة ذلك من خلال الاطلاع على نتائج الاستطلاع الأخير لمعهد السلام الدولي التي كشفت أن ثلثي الفلسطينيين تقريباً يؤيدون الآن حلّ الدولتين والخطوات التي قد تنتج عنه لقطف ثماره. حلّ الدولتين ليس خياراً من عدّة خيارات بل هو النتيجة الوحيدة لأية تسوية تفاوضية. بالتأكيد ستستمر المساومة الصعبة خلال عملية التفاوض وفقط الساذج هو من يعتقد أو يتنبأ بأن السلام في متناول الأيدي. ولكن بالنظر إلى التطورات الإقليمية الأخرى، فإن استئناف أعمال العنف على نطاقٍ واسع شبيه بالانتفاضة الثانية يبدو مستبعداً لأن الجو السياسي يتحوّل أكثر فأكثر باتجاه المصالحة وإظهار الفوائد الناتجة من الاعتدال.
أما العامل الرابع فإنه يغاير النظرة القائلة بأن بروز حكومة من أحزاب يمين الوسط في إسرائيل تعتبر مضرّة للسلام، هذا في حين أن الواقع يقول بأنه لا يمكن التوصل إلى سلامٍ إسرائيلي – فلسطيني دائم دون الدّعم الكامل من طرف أحزاب الوسط ويمين الوسط في إسرائيل. إن حكومة الائتلاف الإسرائيلية الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو وزعيم حزب العمل إيهود باراك كوزيراً للدفاع في موقفٍ قويّ للقيام بالمساومات الصعبة في البداية لتحريك المفاوضات إلى الأمام، وفي نفس الوقت تلبي بعض احتياجات إسرائيل الأساسية. وبالرّغم من أن هذه الحكومة قد لا تكون في موقفٍ يسمح لها بالقيام بتنازلات جوهرية كتلك المتعلقة بالقدس الشرقية وتبقى في الحكم، قد يجزم نتنياهو الأمر بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حزب كاديما الوسط وبذلك يشمل أحزاب اليسار والوسط واليمين، ممثلاً أغلبية الرأي العام الإسرائيلي. ومن الناحية التاريخية، فإن التنازلات الرئيسية في النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني قد تمّت في عهد رؤساء وزراء يمينيين من حزب الليكود، مثلاً قيام مناحيم بيغين بالانسحاب من سيناء كجزء من اتفاقية السلام التي أُبرمت مع مصر في عام 1979، وكذلك انسحاب نتنياهو من الخليل في ظلّ اتفاقية "واي ريفر" في عام 1998 وقيام شارون بالانسحاب من غزة في عام 2005.
علاوة على ذلك، الشعب الإسرائيلي جاهز للسلام مع أمن، والإسرائيليون يدركون جيداً بأن هناك قنبلة ديمغرافية زمنية موقوتة بدأت عقاربها تتحرّك منذ وقت ليس بقصير. على إسرائيل أن تختار ما بين دولة ديمقراطية بأغلبية يهودية دائمة، الأمر الذي يستلزم التخلي عن معظم أراضي الضفة الغربية، أو المخاطرة
– 4 –
بفقد الأغلبية اليهودية في إسرائيل، وفي هذه الحالة ستجبر إسرائيل على قبول أحد الوضعين الصعبين اللذين يتعذّر الدفاع عنهما: فإما أن تقبل حلّ الدولة الواحدة التي
لو اختيرت بشكل ديمقراطي ستكون تحت حكم أغلبية فلسطينية أو حرمان الفلسطينيين من حقهم الشرعي في استلام السلطة، الأمر الذي سيقود حتماً إلى عواقب مأساوية. وبالنسبة لنتنياهو، فإنه لن يفوّت عليه فرصة توقيع اتفاقية سلام تلبي احتياجات إسرائيل الأساسية وهي: أغلبية يهودية دائمة، سيادة إقليمية على أراضيها وأمن قومي – ولا أحد من هذه المتطلبات يتعارض مع إنشاء دولة فلسطينية تعيش بسلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
ويتمثّل العامل الخامس والحرج بالتقبّل المتزايد للمبادرة العربيّة في إسرائيل ومن قبل إدارة الرئيس أوباما في تطوّر عمليّة السّلام، حيث تقدّم هذه المبادرة صيغة ً شاملة لسلام ٍ عربي – إسرائيلي ووسائل وطرق كفيلة بحلّ المشكلة السياسيّة المعقّدة ما بين حماس والسلطة الفلسطينيّة وإسرائيل.
لقد تمّ تبنّي المبادرة العربيّة لأوّل مرّة في مؤتمر القمّة العربيّة المنعقد في بيروت في شهر مارس (آذار) عام 2002 وثمّ أدرجت مرّة أخرى في جدول أعمال مؤتمر قمّة الرياض في مارس (آذار) عام 2007. وتنصّ المبادرة العربية للسّلام على المبادىء التالية: 1) الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي العربيّة التي احتلّت عام 1967، 2) التوصّل لحلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، 3) قبول إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة وذات سيادة على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ الرابع من حزيران (يونيو) 1967 في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة مع القدس الشرقيّة عاصمة لها، 4) إنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي بإبرام إتفاقيّة سلام مع إسرائيل وضمان الأمن لجميع دول المنطقة، وأخيرا ً: 5) إقامة علاقات طبيعيّة مع إسرائيل في سياق هذا السّلام الشامل.
إنّ الظروف الآن ملائمة وجاهزة لجميع الأطراف المعنيّة في النزاع العربي – الإسرائيلي للموافقة على هذه المبادرة التاريخيّة التي ستضع نهاية للصراع وتلبّي في نفس الوقت المتطلبات الرئيسية للمتورّطين فيه.
أمّا العامل السادس والأخير الذي قد يسرّع العمليّة السلميّة ويقرّب إسرائيل والدول العربيّة لإبرام تسوية ً بينها هو برنامج إيران النووي الذي يهدّد إسرائيل والدول العربيّة على حدّ ٍ سواء. وبالرغم من أنّ الدول العربيّة – باستثناء مصر – قد رفضت حتّى الآن التعاون مع إسرائيل في هذا المجال بصورة علنيّة وسعت أوّلا ً لانتزاع بعض التنازلات من إسرائيل على الجبهة الفلسطينيّة، غير أنّ هذه الدول بلا شكّ تعتمد على إسرائيل في صدّ طموحات إيران الإقليميّة. ليس هناك بالتأكيد حبّا ً ضائعا ً بين إيران الشيعيّة ومعظم الدول العربيّة السنيّة. وإذا نظرنا إلى هذا الأمر من هذه الزاوية، فإن التعاون العربي – الإسرائيلي مكتوب له النموّ في هذا
– 5 –
المجال. ستصبح الدول العربيّة بدافع مصالحها الذاتيّة والخوف على أمنها القومي أكثر تكيّفا ً واقترابا ً من إسرائيل كما بيّنت ذلك وبشكل ٍ واضح الحكومة المصريّة
وبعض دول الخليج الصغيرة. وتشاء سخرية الأقدار أن تدعم إيران الآن وبدون قصد العمليّة السلميّة بفضل طموحاتها الإقليميّة والسعي وراء حيازة الأسلحة النوويّة وهي التي قوّضت في الماضي وبصورة فعّالة العمليّة السلميّة.
وللإستفادة من هذا الجوّ الجديد، على إدارة أوباما أوّلا ً وقبل كلّ شيء أن تبقى على مسارها وأن تبقى صامدةّ في مساعيها لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينيّة. وجهود الرئيس أوباما الناجحة في الترتيب للقاء ثلاثيّ جمع نتنياهو وعبّاس وأوبا نفسه على جانب الدورة الحاليّة للجمعيّة العامة للأمم المتحدة هي بحدّ ذاتها خطوة إيجابيّة، هذا بصرف النظر عن ضآلة ما تمّ التوصّل اليه في هذا اللقاء على المدى القصير. لقد أعرب الرئيس عن تصميمه بوضوح عندما قال: "لقد انقضى وقت التوقّف عن الحديث حول بدء المفاوضات وحان الوقت للتحرّك قدما ً".
ولتسهيل التقدّم أكثر في المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة، يجب على إدارة أوباما التخفيف من قلق الإسرائيليين إزاء برنامج إيران لحيازة الأسلحة النوويّة. ولذا، يجب أن يكون هناك تفاهما ً كاملا ً ما بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكيّة حول طبيعة الإجراءات الضروري اتخاذها لثني إيران عن السعي وراء طموحاتها النوويّة، وكذلك إقامة تعاون وثيق ما بين الدولتين في قضايا الإستخبارات. أضف إلى ذلك، على الرئيس أوباما أن يؤكّد للإسرائيليين بأن دعوته لشرق أوسط ٍ خال ٍ من الأسلحة النوويّة لن يضع برنامج إسرائيل النووي موضوع تساؤل، خصوصا ً وأنّ مجموعة الدول الخمسة دائمة العضويّة في مجلس الأمن
(وهي: الولايات المتحدة الأمريكيّة، روسيا، الصين، بريطانيا وفرنسا) مع ألمانيا ستدخل في مفاوضات ٍ مع إيران في اليوم الأول من شهر أكتوبر (تشرين أوّل) القادم. هذا قد يسمح لإيران بربط التقدّم في التفاوض حول برنامجها النووي بوجود برنامج نووي إسرائيلي مماثل، الأمر الذي قد يسبّب تصدّعات خطيرة في العلاقات ما بين الولايات المتحدة الأمريكيّة وإسرائيل.
أضف إلى ذلك، يجب على إدارة أوباما الإستفادة الآن من فترة الهدوء الحاليّة في الضفّة الغربيّة وعلى طول الحدود مع قطاع غزّة والتعا