تأمّلات لتحسين العلاقات الآنيّة بين مصر و&
بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
و د. عمرو يوســــف
محاضر في مركز تاوب للدراسات الإسرائيليّة
وصلت العلاقات بين مصر وإسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى أدنى مستوى لها منذ ثلاثين عاما ً من السّلام بينهما. فالهجوم في ايلات وقيام الجيش الإسرائيلي بقتل ثمانية من عناصر الشرطة المصريّة على الحدود مع سيناء قد قادا إلى سيناريو من اللوم الدوبلماسي الذي تفاقم بحادث الهجوم على السفارة الإسرائيليّة في القاهرة في أوائل شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. لقد استطاع كبار الدوبلماسيين منع حدوث كارثة في السّفارة، غير أنّ المخاوف الإسرائيليّة والمصريّة حول الأحداث المأساويّة بقيت شديدة.
والسؤال الرئيسي الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا باستطاعة كلا البلدين أن يفعلا لتطبيع علاقاتهما الثنائيّة، إن لم يكن تحسينها ؟ الحكمة التقليديّة تقول بأنّ على إسرائيل التوصّل إلى اتفاقيّة حول الوضع النهائي مع السلطة الفلسطينيّة لإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة. هذا يفترض أن يجفّف مصدر المشاعر المعاديّة لإسرائيل في مصر. ولكن نظرا ً لأنّ قضايا الصراع الجوهريّة مستعصية ً على الحلّ، يبدو من غير المحتمل إستئناف المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة في القريب العاجل أو التوصّل إلى اتفاقيّة في الأمد القريب. وحيث أنّ لا إسرائيل ولا مصر معنيّتان في ازدياد تدهور علاقاتهما الثنائيّة، يصبح من الضروري جدّا ً تنفيذ سياسة جديدة بكلّ فعاليّة.
تبقى اتفاقيّة السّلام بين مصر وإسرائيل حجر الزاوية للإستقرار في المنطقة ومن مصلحة كلا البلدين ضمان بقائها واستمراريتها. والسّلام مع إسرائيل بالنسبة لمصر قضيّة حيويّة لعدّة أسباب. فالسّلام يخدم بالدرجة الأولى مصلحة مصر لأنها استعادت بهذا السّلام صحراء سيناء حيث لم يعد لمصر أيّة مطالبات أراض ٍ تجاه إسرائيل، وصراع جديد مع إسرائيل قد يغيّر الوضع الراهن الذي سيكون باحتمال ٍ كبير لغير صالح مصر. أضف إلى ذلك، تمنع المحافظة على معاهدة السّلام الإسرائيليّة – المصريّة أيّة مواجهة مسلّحة، أكانت عمديّة أم عرضيّة، مما قد تثقل كاهل الإقتصاد المصري. ستضطرّ مصر، في حالة وقوع أيّة مواجهة، إلى تخصيص مليارات الدولارات من ميزانيتها المحدودة لشراء المزيد من السّلاح والتدريب العسكري وقد تفقد أيضا ً المساعدة الماليّة والعسكريّة الأمريكيّة. وهذا الأمر قد يسبّب مشاكل اقتصاديّة وخيمة في وقت ٍ تحتاج فيه البلد بصورة متزايدة للمزيد من المساعدات الماليّة من المجتمع الدولي.
وأخيرا ً، ما دامت علاقات إسرائيل مع حماس ذات طابع عدائيّ، على مصر أن تتجنّب التورّط في صراع ٍ جديد بين العدوّين، فالحفاظ على السّلام مع إسرائيل سيسمح لمصر أن تلعب بصورة أكثر فعاليّة دورا ً بنّاء ً ليس فقط في أوقات الأزمات والصراعات، بل بالتأكيد أيضا ً عندما تصبح المصالحة بين إسرائيل وحماس خيارا ً حيويّا ً. من مصلحة الأمن الوطني المصري في الواقع أن تعمل حكومة مصر بهدوء ومثابرة خلف الكواليس لإقناع حماس بالإعتراف بإسرائيل، ليس فقط لضمان إمكانيّة على المدى البعيد لسلام ٍ إسرائيلي – فلسطيني شامل، بل أيضا ً للمساعدة في استرداد دور مصر الريادي في المنطقة. ودور الوساطة الأساسي الذي لعبته مصر ما بين إسرائيل وحماس للتوقيع على الإتفاقيّة الحاليّة لتبادل الأسرى بين الطرفين هو في صميم هذا الدور القيادي المطلوب.
وفي الوقت الذي يجب فيه على مصر أن تبقى ملتزمة ً بتعهداتها بموجب معاهدة السّلام، يجب عليها أيضا ً اتخاذ خطوات رمزيّة وعمليّة للتأكّد بأن معاهدة السّلام الثنائية مع إسرائيل تعزّز المزيد من الأمن الإقليمي وذلك باتخاذ إجراءات محدّدة تضمن: 1) أمن البعثة الدوبلماسيّة الإسرائيليّة، 2) أمن الحدود مع إسرائيل وحماية خطّ أنابيب الغاز، و 3) منع تهريب الأسلحة لداخل قطاع غزّة، علما ً بأن تهريب الأسلحة يساهم في عدم استقرار الوضع
في شبه جزيرة سيناء. والأخبار الأخيرة حول قيام الحكومة المصريّة بحملة ٍ ضد عمليّات التهريب في سيناء، بما في ذلك إنشاء منطقة معزولة بعرض 5 كم على طول الحدود مع قطاع غزّة هي خطوات في الإتجاه الصّحيح.
على الحكومة المصريّة تشجيع إجراء حوار مع مواطنيها من خلال وسائل الإعلام ومختلف القنوات، بما في ذلك منتديات الفكر والمؤسسات العامّة والخاصّة لشرح فوائد الحفاظ على السّلام مع إسرائيل وكيف أنّ هذا السّلام يخدم مصالح مصر بالدرجة الأولى. والبيان الذي أدلى به وزير خارجيّة مصر، محمّد كامل عمرو، يوم 26 أيلول (سبتمبر) لوكالة "أسوشيتيد برس" قائلا ً أنّ "مصر ستحترم دائما ً من طرفها معاهدة السّلام مع إسرائيل" يبشّر بخير، غير أنّ على وسائل الإعلام المصريّة وصنّاع الرأي العام أن يساهموا بفعّاليّة لنقل هذه الرسالة لجماهيرهم. الإدعاءات التآمريّة التي تتّهم إسرائيل بضلوعها في تقصيرات محليّة في مصر والتي تتراوح ما بين اتهامها بتصدير محاصيل زراعيّة فاسدة مسبّبة لمرض السّرطان إلى إشعال أعمال العنف الطائفيّة بين المسلمين والأقباط إلى إعادة بعث القوى المناهضة للثورة المصريّة لا تضلّل جميعها عامّة الشعب المصري فحسب، بل وتضرّ أيضا ً بمصالح مصر وتجعل من المستحيل تقريبا ً الدفاع عن معاهدة السّلام.
لمعاهدة السّلام مع مصر أهميّة حيويّة لإسرائيل كما هو الحال أيضا ً لمصر. فمن المعروف بأنّه بدون مصر لن تكون هناك أبدا ً حربا ً عربيّة – إسرائيليّة على نطاق ٍ واسع، كما وبدون سوريا لن يكون هناك أبدا ً سلاما ً عربيّا ً – إسرائيليّا ً شاملا ً. فبالحفاظ على سلامها مع مصر، ستستمرّ إسرائيل بتوفير مليارات الدولارات التي تستقطعها من الميزانية العسكرية وتضخّها في التنمية الإقتصاديّة، وبالأخصّ لأنّ الفجوة بين الأغنياء جدّا ً والفقراء جدّا ً في اسرائيل في اتساع ٍ متزايد.
وعلى الصّعيد الإقليمي، فإنّ السّلام مع جارتها الجنوبيّة يسمح لإسرائيل التركيز على صراعات أخرى لحلّها فرصة أفضل ما دامت معاهدة السّلام مع مصر متماسكة. وبالمقابل، فإن عدم استقرار العلاقات مع مصر قد يؤدّي إلى تطرّف في العالم العربي من شأنه أن يقوّض
مصالح إسرائيل الإستراتيجيّة على جبهتين: أوّلاً، قد يُبعد أهم دولة عربيّة، وهي مصر، مع دول الخليج من تكوين ائتلاف ٍ هدفه الرئيسي منع قيام ايران النوويّة، وثانيا ً، قد تقلّص نفوذ الولايات المتحدة في الشّرق الأوسط ممّا قد ينعكس بدوره على إسرائيل ويزيد من حدّة التوتّر ما بين إسرائيل ودول الإتحاد الأوروبي.
على إسرائيل أن تسعى لتحسين العلاقات مع مصر وأن تشرك الحكومة الإنتقاليّة المصريّة في القضايا الإقليميّة بدلا ً من العمل حسب موقف نتنياهو " انتظر وانظر لما سيحدث" وهي استراتيجيّة أثبتت عدم جدواها. يجب أن تتضمّن بعض الخطوات الفوريّة لإصلاح العلاقات بين البلدين: ترميم مبنى البعثة الدوبلماسيّة الإسرائيليّة في القاهرة ما دام أمنها مضمونا ً الآن، وقيام إسرائيل علنا ً بمساندة الصّرخة العربيّة الشعبيّة نحو الحريّة والإنعتاق، والبقاء في موقف ٍ ايجابي فيما يتعلّق بمرحلة التحوّل في مصر. واعتذار إسرائيل الرّسمي لمصر أخيرا ً بخصوص القتل العرضي لرجال الشرطة المصريين على الحدود بين البلدين قد يساعد بالتأكيد على تسوية الأزمة التي أغضبت الشارع المصري. وعلى أيّة حكومة إسرائيليّة، وبالأخصّ الحاليّة، مقاومة خلق المزيد من الأعداء في جوار ٍ معاد ٍ . هذا يتطلّب من إسرائيل الإبتعاد عن ردود الفعل تجاه بيانات سياسيّة عرضيّة غير صحيحة قد تصدر عن قادة عرب ومخصّصة بالدرجة الأولى للإستهلاك المحلّي، مثلا ً البيان الصادر عن رئيس الوزراء المصري عصام شرف في منتصف الشهر الماضي الذي قال فيه بأنّ معاهدة السّلام "ليس شيئا ً مقدّسا ً وهي دائما ً مفتوحة للنّقاش". لقد ردّت إسرائيل على ذلك باستدعاء السفير المصري في تل أبيب للتوضيح بالرّغم من أنّ البيان كان محاديا ً والهدف منه كان واضحا ً. وفي الوقت الذي قد يصبح فيه الأخوان المسلمون حزبا ً مهمّا ً في مصر، على إسرائيل ألاّ تدمغ هذا الحزب بصورة آليّة على أنّه عدوّ طبيعي لها. ففي تعليق له قال الرئيس السابق لجهاز الموساد، مئير داغان، بأنّ: "الإخوان المسلمون أنفسهم يخشون أن يلحق هذا الإنتقال بالإقتصاد المصري ضررا ً لا يمكن إصلاحه".
وأخيرا ً، قد يعود على إسرائيل من الناحية الإستراتيجيّة بفائدة ٍ كبيرة أن تقوم باستخدام نفوذها في واشنطن وفي عواصم أوروبيّة أخرى مهمّة لدعم مصر ماديّا ً وحتّى الدّفع علنا ً لاستمرار المجتمع الدولي في مساعدة اقتصاد مصر لضمان تنميتها الإقتصاديّة
التي تعتبر الشريان المغذي للإصلاحات الديمقراطيّة. وعلى إسرائيل أيضا ً وبصورة ٍ أكثر هدوءا ً أن تعمل من خلال القنوات الثنائيّة على المزيد من إجراءات تخفيف الحصار على قطاع غزّة، هذا في الوقت الذي تضمن فيه عدم تهريب الأسلحة لداخل القطاع. ولهذا الغرض قد تنظر إسرائيل بعين الإعتبار إلى تعديل اتفاقيّة السّلام للسماح لوحداتٍ من الجيش المصري، أكبر وأقوى من الوحدات الحالية المنصوص عليها في المعاهدة، بالعمل في سيناء. لن تعزّز هذه الخطوة فقط الأمن المصري – الإسرائيلي المشترك، بل ستعالج أيضا ً الحساسيّة المصريّة تجاه هذه القضيّة.
على القيادتين المصريّة والإسرائيليّة أن تدركا الفوائد المتبادلة والحدود الآنيّة لمعاهدة السّلام وأن يعملا معا ً على تطويرها لخدمة الشعبين. إنّ من شأن الخطوات والإجراءات المذكورة آنفا ً أن تزيد من قوّة أساس هذه المعاهدة وتمنع وقوع أي حدث قد يؤدّي إلى تقويضها بصورة خطيرة أو حدوث تحوّل مهمّ في الديناميكيّة السياسيّة والعسكريّة للمنطقة قد يعود بالضّرر الشّديد على كلا البلدين.