الخلاف بين نتنياهو وأوباما حول الإتفاق النووي مع إيران
يمثّل الإتفاق الذي أبرم في جنيف بين إيران والدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع ألمانيا خطوة أولى مهمّة في كبح برنامج إيران النووي. وبصرف النظر عن النواقص العديدة التي يحتويها هذا الإتفاق فإنه يعرض فرصة لإنهاء المأزق النووي الإيراني بشكلٍ سلمي. وكنت من ناحيتي دائماً أقول أنه ما لم تدخل الولايات المتحدة وإيران في مفاوضات مباشرة، لن يتم التوصل لاتفاقية. وقيام الولايات المتحدة وإيران بالفعل بعقد مفاوضات سرّية بينهما لأكثر من ستة أشهر قد ساهم إيجابياً في التّوصل لهذا الإتفاق المرحلي.
ولسوء الحظ فإن إدارة أوباما وإسرائيل تنظران لهذا الإتفاق من زاويتين مختلفتين كلياً. ولبيان الإختلافات العميقة بين الطرفين، فإن اقتباسات من تصريحات الرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيري ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تظهر ذلك بوضوح. فقد قال أوباما بأن “الدبلوماسية قد فتحت طريقاً جديداً نحو عالمٍ أكثر أمناً، مستقبل بإمكاننا أن نؤكد فيه بأن برنامج إيران النووي سلمي وأنها لا تستطيع أن تصنع أسلحة نووية”.
وفي برنامج “حالة الإتحاد” الذي تبثه محطة ال”سي. إن. إن” قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري:”من هذا اليوم وللأشهر الستة القادمة ستكون إسرائيل في الواقع أكثر أمناً مما كانت عليه”. أما نتنياهو من الناحية الأخرى فقد وصف الإتفاق بعبارات مشئومة قائلاً بأن “العالم قد أصبح مكاناً أكثر خطورة لأن أكثر الأنظمة خطورةً في العالم قد قام بخطوة هامة في الحصول على أكثر الأسلحة خطورة في العالم” واصفاً الإتفاق بأنه “خطأ تاريخي”. وأضاف يقول:”إنه اتفاق سيّء بسبب ما يمثله. إنه يعني بأن إيران ستحصل على قبول أو توقيع بأنها دولة شرعيّة”. بل الأسوأ من ذلك حسب رأيه، فإن الإتفاق يصل إلى “قبول إيران كدولة على عتبة امتلاك السلاح النووي”. زد على ذلك، إنه يترك قدرات إيران النووية سليمة إلى حدّ بعيد بدون رقابة محكمة لمنعها من السعي سرّا ً وراء تخصيب اليورانيوم.
وحيث أن الولايات المتحدة ترى فوائد مهمّة جداً في التنازلات التي قامت بها إيران، تنظر إسرائيل ومعظم الدول العربية لهذه التنازلات بتشكك عميق.
ترى إسرائيل إيران كعدوها اللدود لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي وصفها كبار المسئولين الإيرانيين مرارا ً وتكرارا ً بأنها غير شرعيّة، مؤكدين بأنه يجب مسحها عن وجه الأراض. وحتّى عندما كانت المفاوضات جارية، وصف المرشد الأعلى لإيران، أية الله خامئني، إسرائيل بدولة مجرمة و “كلب مسعور”. وشعرت إسرائيل بأنها ساخطة لأن ردّ فعل إدارة أوباما على تصريح المرشد الأعلى خامئني جاء فاترا ً على أحسن تقدير وأحجمت عن إدانته علنا ً خوفاً من تعقيد وضع المفاوضات، الأمر الذي زاد من تحفظات إسرائيل العميقة.
لدى نتنياهو شكوك عميقة حول عزم أوباما على منع إيران من حيازة أسلحة نوويّة الآن أو في أية اتفاقية مستقبليّة. إنّه يشعر بأن أوباما وبكلّ بساطة متحمّس جدّا ً لإبرام صفقة مع إيران، أولاً لتحسين شعبيته المتدنية محليّا ً في الولايات المتحدة بسبب الجدل حول قانونه المتعلّق بالرعايا الصحيّة، وثانيا ً بسبب مصداقيته المتدهورة في الخارج الناتجة عن تذبذبه وعدم حراكه في سوريا، الأمر الذي سمح للأسد بالإستمرار في قتل أناس ٍ أبرياء. ويصرّ نتنياهو على أنّ التراجع في برنامج إيران النووي سيبطئه على أحسن تقدير لبضعة أشهر فقط، وتستطيع إيران استئنافه في أيّ وقت ٍ تريد وتحت أيّ ظرف وأنّ آية الله خامئني لن يغلق الباب أبدا ً في وجه خيار تطوير الأسلحة النوويّة.
أضف إلى ذلك، يقول نتنياهو بأن الإتفاق يعطي شعورا ً كاذبا ً بالأمن وأنّه كان على الولايات المتحدة اتخاذ خطا ً أكثر تشدّدا ً ضدّ إصرار إيران على تخصيب اليورانيوم على أرضها وهذه من وجهة نظره النقطة الأساسية التي كان من المفروض على الولايات المتحدة ألاّ تتنازل بشأنها أبدا ً.
وأخيرا ً، يشعر نتنياهو وبشدّة بأنّ هذا الإتفاق المرحلي سيدفع دولا ً أخرى في الشرق الأوسط للسعي وراء السّلاح النووي، الأمر الذي سيساهم في انتشار أسلحة الدمار الشامل بدلا ً من احتوائها.
وأخذا كلّ ذلك بعين الإعتبار، فقد عمّق الإتفاق من الفجوة ما بين نتنياهو وأوباما وقد يصلّد موقف نتنياهو كذلك في المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة ويزيد من إحباط جهود الإدارة الأمريكيّة للتقدّم في عمليّة السلام. أمّا موقف أوباما من البداية فكان أنه بإمكان إيران الآن أن تسعى لتحقيق برنامجها النووي السّلمي ما دامت لا تسعى وراء تطوير أسلحة نوويّة. فهذا الإتفاق، من وجهة نظر أوباما، يحقّق ذلك ما دام سيتبعه اتفاق شامل سيمنع طهران من التقدّم ببرنامجها النووي لتصنيع الأسلحة النوويّة. أضف إلى ذلك، قد يمنح الإتفاق المرحلي فرصاً جديدة لتطوير استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط قد تنهي الحرب الأهلية في سوريا وتوطّد الوضع في أفغانستان حيث يمكن لإيران أن تلعب هنا دوراً مهماً. أضف إلى ذلك، سيمنح الإتفاق الولايات المتحدة ستة أشهر لوضع اتفاق أكثر شمولية يُرجى منه منع استخدام القوة العسكرية التي كان أوباما يعارضها دائماً.
ولأسباب واضحة، يرى نتنياهو وأوباما الإتفاق من وجهة نظر كل منهما. وبالرّغم من أن الإتفاق يطلب من إيران وقف تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 5%، تفسّر إيران ذلك على أنه أهم تنازل انتُزع من الولايات المتحدة لأن الإتفاق يحترم “حق” إيران في تخصيب اليورانيوم الآن وفي أية اتفاقية مستقبلية. وفي حين وافقت إيران على عدم تركيب جيل جديد من وحدات الطرد المركزي فقد سمح لها الإستمرار في تخصيب اليورانيوم بوحدات الطرد المركزي الحالية والسليمة وعددها 18.000 وحدة مانحة إياها فرصة الغش كما كانت هذه الفرصة متاحة لها لأكثر من عقد من الزمن.
وحيث يشترط الإتفاق على أن تقوم إيران بإتلاف مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 20%، لكنه يعطي طهران الخيار بأن تحوّله إلى نسبة 5% أو تخففه إلى أكسيد، بدلاً من أن تشحنه لدولة ثالثة. وهذا أقل احتمالاً أن يكون جاهزاً للإستعمال.
وفي حين يُنظر إلى توقيف العمل في مفاعل الماء الثقيل “أراك” – الذي بإمكانه أن ينتج بلوتونيوم قابل للاستخدام في إنتاج الأسلحة النووية – كإنجاز كبير، فقد وافقت إيران فقط على وقف المزيد من تطوّر المنشآت في المفاعل المذكور بدلاً من تفكيكها بحيث يترك لإيران القدرة على استئناف تطويره في أي وقت.
وأخيراً، وبالرّغم من تأكيدات إيران على تهدئة مخاوف الأمم المتحدة، بما في ذلك موقع بارشين العسكري، فإنها لم توافق على نظام التفتيش الإقتحامي الذي تطالب به الوكالة الدولية للطاقة الذرية لضمان بأن برنامج إيران سلمي.
وللتأكيد، نتنياهو يرى الإتفاق سيّئاً لأنه يعتمد بدرجة كبيرة على نوايا إيران الحسنة، وهو متشبث برأيه أن إسرائيل لا تستطيع المقامرة بنوايا إيران الحسنة وبالتوقع الذي لا أساس له أن إيران ستتخلى في النهاية عن طموحاتها النووية لصالح رفع العقوبات عنها. أضف إلى ذلك، فإن إسرائيل قلقة جداً من عدم تنازل إيران عن دعم وتأييد المجموعات الإرهابية مثل حماس وحزب الله اللذين عهدوا بأنفسهم على تدمير إسرائيل. ولهذه الأسباب صرّح نتنياهو بكلّ وضوح وإصرار بأن “إسرائيل غير ملتزمة بالاتفاق وبأن لها الحق في الدفاع عن نفسها”.
وبالرّغم من ذلك‘ نتنياهو يعلم أنه لا يستطيع فعل الكثير للتخريب علناً على الإتفاق طالما أنه قائم وهناك تقدّم به. وهو يعلم أيضاً أن عليه السير مع الولايات المتحدة وإيجاد طريقة لتخفيف التوتر في محاولة لتضييق الخلاف معها.
وللقيام بأي عمل عسكري قبل انتهاء الفترة المرحلية وقوامها ستة أشهر، على نتنياهو أن يقدّم إثباتاً قوياً لا يقبل الجدال بأن إيران تخدع وبأنها على حافة تجميع أسلحة نووية وتقديم هذا الإثبات للولايات المتحدة ولحلفائها الأوروبيين.
أعتقد أنه ليس نتنياهو فقط بل أي رئيس وزراء إسرائيلي سيستخدم القوة ضد إيران إذا استنتج بأن إيران قد وصلت بتخصيب اليورانيوم إلى مرحلة “التهيئة للإستعمال” وأن أوباما غير راغب أو مستعدّ لاتخاذ إجراء عسكري ويحاول بدلاً من ذلك تسوية الخلاف عن طريق الإحتواء.
وعلى الرئيس أوباما أن يفهم بأنه وبصرف النظر عن مدى التزامه بأمن إسرائيل القومي، فإنه لن يجد – بسبب الشعور العميق المتأصّل تاريخياً لدى الشعب اليهودي بعدم الأمان – أي رئيس وزراء إسرائيلي لا يأخذ التهديد الإيراني على محمل الجدً ويضع أمن إسرائيل القومي بشكل نهائي حتى في يدي أقرب وأقوى حليف له. ومن ناحية أخرى، على نتنياهو أن يكون مدركاً تماماً لمسئولية أمريكا العالمية والتزاماتها بإيجاد الحلول السلمية أولاً لأي نزاع أو صراع بقدر الإمكان قبل اللجوء لاستعمال القوة. وعليه منح الرئيس المدة التي يحتاجها لاستكشاف أية إمكانية لإنهاء الصراع النووي الإيراني بالطرق السلمية.
وبصرف النظر عن الخلاف الحالي بين نتنياهو وأوباما، يجب على الزعيمين الشروع في صقل ثقة متبادلة جديدة بينهما وتطوير علاقة عمل أكثر وثوقاً فيما يتعلّق بملف إيران. يجب ألاّ يكون هناك أي تنافر بين الزعيمين لأن المخاطر عالية جداً وقد يكون للأغلاط والأخطاء في التقدير عواقب وخيمة.