نهاية التحالف الغربي التركي تلوح في الأفق
- See the English translation
- See the Hebrew translation
- See the Turkish translation
- See the French translation
يضيّق التوتر المتزايد بين تركيا وحلفائها الغربيين – الذي زاد من حدته خلال إدارة أوباما – مساحة التعاون بين الجانبين، وفي الواقع يزداد سوءاً تدريجيا. ويأمل أردوغان فى أن يحسن هو والرئيس ترامب علاقاتهما مع انخفاض أعضاء الناتو بشكل كبير. ولا تزال واشنطن والإتحاد الأوروبي يختلفان بشدة مع أنقرة حول مجموعة من القضايا التي من غير المحتمل أن تحل على أساس مربح للجانبين في أي وقت في المستقبل المنظور.
وقد يكون تراجع تركيا المتزايد عن القيم الغربية قد وصل بالفعل إلى نقطة عدم الرّجوع. لقد أزال أردوغان تركيا من الفلك الغربي ووضع التحالف على مسار تصادمي. ويعزى هذا التراجع إلى التطورات المقلقة التالية على مدى السنوات العديدة الماضية.
إن أكثر الخلافات حدّة ً بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي من ناحية وتركيا من الناحية الأخرى هو تدمير أردوغان بشكل منهجي لكل ركيزة ديمقراطية في بلاده، بما في ذلك الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وإغلاق وسائل الإعلام الرئيسية، وسجن عشرات الصحفيين، والقضاء بقوة على المظاهرات السلمية. وعلى وجه الخصوص، إستغل أردوغان محاولة الإنقلاب العسكري في يوليو / تموز 2016 لسجن عشرات الآلاف من المربين والقضاة والعسكريين والمحامين وأي شخص آخر إختاره أردوغان لاتهامه بالتآمر ضد الحكومة. ومما يؤسف له أن ردود الفعل الشعبية في الغرب على هجمة أردوغان على حقوق الإنسان كانت أقلّ بكثير مما يجب وذلك مراعاة ً من أن تركيا لا تزال حليفا وتشارك بنشاط في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا “داعش”.
دعمت الولايات المتحدة في هذه المعركة منذ البداية الأكراد السوريين وقدمت للميليشيات (حزب الإاتحاد الديمقراطي) الأموال والمعدات العسكرية. وحيث أنّ رجال حزب الإتحاد الديمقراطي قد أثبتوا أنهم مقاتلون بارزون في المعركة ضد “داعش”، فإن أردوغان يعتبرهم منظمة إرهابية تتعاون مع الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني التركي. وقد هدد أردوغان بأنه لن يسمح للولايات المتحدة بالدخول إلى قاعدة انجيرليك الجوية التركية إذا استمرت الولايات المتحدة في دعم حزب الإتحاد الديمقراطي ومنع الجيش التركي من المشاركة النشطة في القتال لاستعادة الرقة، الأمر الذي قد يسمح لأنقرة بإقامة وجود دائم لها في سوريا. وما يثير الولايات المتحدة أنه بدلاً من التركيز على هزيمة “داعش” يقاتل أردوغان حليف الولايات المتحدة (حزب الإتحاد الديمقراطي)، وهو أمر ٌ يقوض جهود التحالف لهزيمة داعش.
بدأ أردوغان خلال السنوات الستة الماضية علنا، بدعم من حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بتبني رواية دينيّة، واتخذ العديد من الخطوات العملية والرمزية لأسلمة تركيا. وشرع في بناء آلاف المساجد الجديدة، بما في ذلك 80 مسجدا ً في مختلف الجامعات، وأدخل دراسات إسلامية في المناهج الدراسية، وأضفى شرعية على ارتداء الحجاب للنساء. وبالإضافة إلى ذلك، فقد قدم أوراق اعتماد إسلامية اختبارا لأي منصب حكومي. لم يخف أردوغان طموحه ليصبح قائداً للعالم الإسلامي السني. ويعتقد الكثيرون في الغرب أنه مصمم على إنشاء دولة سنية إسلامية على غرار إيران الشيعية التي تتناقض مع المبدأ الغربي للفصل بين الكنيسة والدولة.
وصراع آخر بين الولايات المتحدة وأردوغان نشأ على خلفية مطالبة تركيا بأن تقوم الولايات المتحدة بتسليم فتح الله غولن، الذي اتهمه أردوغان بكونه وراء الإنقلاب العسكري الفاشل. وفي حين تصرّ الحكومة التركية على أنها قدمت أدلة لا جدال فيها تبرر تسليمه، فإن إدارة ترامب (مثل سابقتها) تؤكد أنها لم تجد أدلة كافية تبرر تسليم غولن. وعلى أية حال، تدعي وزارة الخارجية الأمريكية بأن قضية غولن ليست مسألة سياسية، بل تقع بشكل ٍ قاطع ضمن اختصاص القضاء. ومع ذلك، فإن الصراع على مصير غولن لا يزال يثقل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا.
وقد وصلت نزعة أردوغان للتسلط على حلفائه الغربيين مؤخرا إلى نقطة تحول. ففى الأشهر الأخيرة صّعد أردوغان انتقاداته للإتحاد الأوربى وهدد بانهاء الإتفاق حول إعادة دخول اللاجئين – الذين عبروا بشكل غير قانونى الى أوروبا – اذا لم يسمح الإتحاد الأوروبى بدخول المواطنين الأتراك بدون تأشيرة حسبما ينص الإتفاق. ويثير التذمر المعتاد من أردوغان لحلفائه الغربيين شكوكاً خطيرة حول العول عليه كشريك يوثق به، هذا إضافة ً إلى شكوك بشأن مستقبل علاقاتهما الثنائية، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي.
وتصاعدت في الأسابيع الأخيرة حدّة التوتر بين الجانبين بسبب عدم إستعداد الأوروبيين (وخاصة ألمانيا وهولندا) السماح للوزراء الأتراك بتنظيم مسيرات إنتخابية بين الأتراك الذين يعيشون في الإتحاد الأوروبي دعما للإستفتاء القادم الذي من شأنه أن يمنح أردوغان تقريبا ً السلطات المطلقة، وقارن هولندا وألمانيا ب “النازيين والفاشيين”، وهي تهمة أجّجت غضب الألمان على وجه الخصوص الحسّاسين بالطبع فيما يتعلّق بالحقبة النازية، وهو أمر ٌ مفهوم. ومن المفارقات أن أردوغان ينكر بشدة دور العثمانيين في الإبادة الجماعية لأكثر من مليون أرمني، ويثور غضبه عندما تُعزى هذه الحقبة التاريخيّة المروّعة للعثمانيين.
وبالرغم من أنّ تركيا عضو في اتفاقية حلف الشمال الأطلسي (الناتو)، غير أنها تغازل روسيا، الأمر الذي يثير شكوكا ً جادة حول ولاء والتزام أردوغان بهذا الحلف الذي عمره حتى الآن سبعة عقود ٍ من الزمن. لقد صرّح أردوغان مؤخّرا ً بأن روسيا يمكن أن تصبح حليفا ً بديلا ً للغرب، وهو ينظر بجديّة إلى إمكانية شراء صواريخ س – 400 الروسية الصّنع كنظام للدفاع الجوي. وحتّى وإن لم يتابع أردوغان تخمينه العامّ حول العلاقات المستقبلية مع روسيا، فإن مجرّد تفكيره باحتمال أن يدخل في حلف ٍ مع عدوّ الغرب القوي، تحت ظروف ٍ معينة، يرسل إشارة تقشعر لها الأبدان للولايات المتحدة وأوروبا.
وفي الآونة الأخيرة ازداد التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا بسبب اعتقال مكتب التحقيقات الفدرالي محمد أتيلا، نائب رئيس الخدمات المصرفية الدولية في هالكبنك المملوك للدولة لانتهاكه العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد إيران من خلال مساعدة رضا زّراب ، وهو تاجر ذهب رئيسي ينتظر محاكمته في الولايات المتحدة. ويبدو ان زرّاب تصرف كوسيط بين تركيا وايران لكي يرتّب لأنقرة شراء الغاز والنفط من ايران مقابل الذهب الذى يصعب تتبعه. وقد لعب هلكبنك دوراً هاما في هذه المعاملات التي دعمتها حكومة أردوغان في انتهاك للعقوبات الأمريكية.
وبالنظر إلى التدهور المستمر في العلاقة بين الغرب وتركيا في ظل أردوغان، فإن احتمال تركيا أن تصبح عضواً في الإتحاد الأوروبي قد انتهى في الأساس. وعلاوة على ذلك، فإن صعود التطرف الإسلامي سلب الإتحاد الأوروبي الشهية لإدخال دولة إسلامية يحكمها ديكتاتور في ناديه “المسيحي” ، وهو ما يتنافى تماما مع القيم الاجتماعية والسياسية الغربية. وفي الوقت نفسه، فإن إمكانات تركيا في أن تصبح ديمقراطية إسلامية حقيقية قد تبدّدت كليا وربما بلا رجعة.
وبالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى أن عدد سكان تركيا يبلغ نحو 75 مليون نسمة، فإنها ستكون في المرتبة الثانية بعد ألمانيا التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة. وستكون تركيا، بوصفها عضوا في الإتحاد الأوروبي، في وضع يمكنها من التأثير على تطوير أية سياسة اقتصادية وسياسية وأمنية. وبالنسبة لأغلبية أعضاء الإتحاد الأوروبي، فإن قبول دولة إسلامية، وخاصة في أعقاب رحيل المملكة المتحدة، هو ببساطة أمر غير وارد.
والأكثر إثارة للقلق هو أنه لم يعد سرا أن صلاحية تركيا وأهميتها كعضو في حلف الناتو لا تناقش فقط بسبب سلوك أردوغان غير المنضبط، ولكن أيضا لأن تركيا تحت قيادته تنتهك ميثاق الناتو. وينص الميثاق تحديداً على أن الموقعين “مصممون على حماية الحرية والتراث المشترك والحضارة لشعوبهم القائمة على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون”، وهذه بجملها ينتهكها أردوغان انتهاكاً صارخاً.
لقد حان الوقت لأن تتوقف الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي عن التقليل من أهمية الإنقسام العميق والمتنامي مع تركيا بشأن النقاط العديدة المثيرة للجدل بين الجانبين. وطالما بقي أردوغان في السلطة، فإن إنفصال تركيا عن الولاياتالمتحدة والإتحاد الأوروبي يسير بخطىً سريعة، ولا توجد أصوات قوية على أي من الجانبين لإطلاق الإنذار حول الإنهيار الوشيك.
الأمر متروك الآن للشعب التركي الذي يريد تركيا علمانية وديمقراطية مع قيم إسلامية أن يقول لا في استفتاء 16 أبريل لتعديل الدستور وحرمان أردوغان السلطات الديكتاتورية التي يسعى إليها. وعلاوة على ذلك، فإن تحديه في الإستفتاء من شأنه أن يسرع من رحيله عن الساحة السياسية.
وهذا سيحول دون أن تصبح تركيا محكومة بنظام إسلامي إستبدادي وبطلب شعبي إعادة البلاد تدريجيا إلى الفلك الغربي كما تصور ذلك مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية.