قطاع غزّة في طريقه إلى الكارثة
لقد مرت عشر سنوات منذ أن هزمت حماس السلطة الفلسطينية في قطاع غزة وتولت السيطرة على كامل أراضي القطاع. واليوم، فإن الظروف الإجتماعية والإقتصادية في غزة مروعة جدا بحيث أنه إذا لم يتم القيام بأي شيء على الفور، فإن المنطقة بأكملها لا بد أن تنفجر في وجه حماس وإسرائيل والمجتمع الدولي. وإذا حدث ذلك، يمكنك الإعتماد على قادة إسرائيل وحماس في إلقاء اللوم على الطرف الآخر للسماح بتدهور الوضع إلى هذه النقطة الخطرة. كلا الجانبين مذنبان بنفس القدر من الخيانة الفظيعة لشعبهم. وبغض النظر عن مدى استمرار الصراع بينهم، فإنهم سيبقون محاصرين في واقع لا يمكن لأي من الطرفين تغييره قبل حدوث الكارثة.
والسؤال هو: متى سيعودون إلى رشدهم ويجدون طريقة للتعايش السلمي، مدركين أن البديل هو استمرار الأعمال القتالية العنيفة فقط ؟ وإبّان ذلك سوف ُيقتل الآلاف من الجانبين وسوف يسود الخراب والدمار وسوف يدفع الفلسطينيون في غزة على وجه الخصوص أبهظ الأثمان. وكما لاحظ اللاهوتي الألماني ديتريش بونهوفر، “علينا أن نتعلم أن نضع الناس أقل في ضوء ما يفعلونه أو يغفلون عن فعله وأكثر في ضوء ما يعانون منه”.
يعيش سكان غزة في ظروف صعبة. إنهم يعانون من نقص الغذاء والدواء ومياه الشرب والكهرباء. والبنية التحتية تتعثر، ومئات الآلاف يعيشون في البؤس بسبب استمرار نقص المساكن من 71،000 في عام 2012 إلى 120،000 في الوقت الحاضر. ويعيش أكثر من 1.2 مليون شخص في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية، وعشرات الآلاف يعيشون في فقر مدقع معرضين للأمراض وسوء التغذية، و 000 75 مشردين داخليا، ومعدل البطالة 42 في المائة (يصل إلى 60 في المائة بين الشباب) مع القليل من التخفيف منها في المنظور القريب أو حتّى عدمه.
المشكلة هنا هي أن كل من إسرائيل وحماس تعيشان في خداع إنكار الذات، كما لو كان بمقدور أي منهما أن يتخلّص للأبد من الآخر. كلاهما مذنب في اللعب بالسياسة على حساب حياة الإسرائيليين والفلسطينيين، رافضين تحمل نصيبهم من المسؤولية.
إنهم يجدون الراحة في توجيه إصبع الإتهام على سلوك بعضهم البعض الشائن، وأصبحوا مستعبدين لرواياتهم القديمة والمتعبة، مما يترك مجالا ضئيلا للمصالحة.
لقد أقنعت حماس نفسها بأن إسرائيل هي الجاني الرئيسي وراء محنتها ومحنة شعبها التي دامت عقوداً طويلة، مشيرة إلى عدم إنسانية الحصار، والقيود الصارمة المفروضة على السلع التي تذهب من وإلى غزة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية الخانقة التي أحكمت إغلاق القطاع من الجوّ والبرّ والبحر مما يحول دون الوصول إلى الأسواق الخارجية. إنها تطالب بالرفع غير المشروط للحصار دون أن تقدّم أي شيء في المقابل، لا بل المزيد من القسوة والعنف أكثر من أي وقت مضى، هذا في حين تشكّل تهديدا أمنيا مستمرا.
تنسى قيادة حماس أن الكثير من بؤسها تسبّبه هي بنفسها. فبدلا من التركيز على بناء المدارس والمستشفيات ومشاريع الإسكان وإصلاح معظم البنية التحتية المنهارة (وخاصة بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل في عام 2014)، فإنها تحتفظ بموقف عدواني تجاه إسرائيل يهدد وجودها ذاته. وقد أنفقت مئات الملايين من الدولارات على بناء أنفاق جديدة يمكن من خلالها مهاجمة إسرائيل وشراء وتصنيع أسلحة جديدة مع التركيز على تخزين عشرات الآلاف من الصواريخ التي نصبت لإطلاقها على إسرائيل.
وفي ميثاق حماس المعدل حديثا، فعلى الرغم من أنهم يتحدثون عن إقامة دولة فلسطينية على طول حدود عام 1967، فإنهم يعلنون أن “الدولة الحقيقية هي ثمرة التحرير وليس هناك بديل لإنشاء الدولة الفلسطينية ذات السيادة على كامل الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس “.
هل خطر يوما ً ما على بال حركة حماس بأنها لا تستطيع الآن أو في أي وقت في المستقبل أن تهزم إسرائيل عسكريا لتحقيق هدفها الوهمي ؟ وأنها إذا كانت تشكّل تهديدا وجوديا حقيقيا لإسرائيل، فستكون حتما ً هي التي ستهلك أولا ؟ المنطق يقول أنه إذا أرادت حماس رفع الحصار، فعليها التخلي عن العنف والإعتراف بواقع وجود إسرائيل الذي لا مفرّ منه والتوقف عن المطالبة بحق الفلسطينيين في كامل أراضي فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني.
لا ينبغي حتى لأكثر الأعضاء اعتدالا بين أعضاء حماس أن يفترضوا أن إسرائيل سترفع الحصار ما لم يتم ضمان أمنها بشكل مطلق ودائم. يجب على حماس عاجلا ً أم آجلا إزدراد زهوّها وافتخارها والإذعان بأن استراتيجية استخدام أو التهديد بالعنف ضد إسرائيل قد فشلت وتزيد فقط من تصلّب تعقيد الموقف الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن أي شخص يضع اللوم على حماس فقط يرتكب خطأ ً فادحا ً. فإسرائيل تواصل القيام بدورها في الملحمة المأساوية الجارية في غزة. هناك تصور خاطئ في إسرائيل تنشره الحكومة مفاده أن حماس هي ببساطة غير قابلة للتغيير أو الإصلاح. إنهم يبررون الحصار بالإصرار على أن انسحاب إسرائيل من جانب واحد من غزة جعل الأرض منصة أطلقت منها حماس وما زالت صواريخ ضد إسرائيل.
لقد ارتكب رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل ارييل شارون خطأ رئيسيّا ً عندما إنسحب من غزة دون أي تنسيق أمني مسبق مع السلطة الفلسطينية. كان هو وحكومته على علم تام بأن حماس كانت أقوى وأكثر تنظيما وأفضل تجهيزا عسكريا من السلطة الفلسطينية، وقدرتها على الاستيلاء على غزة بالقوة كان منظورا ً للجميع.
وعلاوة على ذلك، ففي حين أن فرض الحصار كان ضروريا لمنع تهريب الأسلحة والمتفجرات، لم يبذل نتنياهو جهدا على وجه الخصوص لتغيير الطابع العدائي لعلاقة إسرائيل بحركة حماس. وبدلا من ذلك، اختار عمدا إدارة الصراع من خلال الحفاظ على جو متوتر لخدمة قاعدته السياسية والبقاء في السلطة.
أضف إلى ذلك، فإن حكومة نتنياهو تستخدم الإنسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من غزة والخطر الأمني الذي تشكله لتبرير استمرار الإحتلال وتعزيز قبضتها على الضفة الغربية (لأسباب أمنية محتملة) من خلال المشروع الاستيطاني، بينما تثير السلطة الفلسطينية ضد حماس لمصالحها الشخصيّة .
ويا له من نفاق! ففي حين يدين نتنياهو حماس بالسعي إلى إقامة دولة فلسطينية على كامل الأرض، يدعي حق اليهود في كامل أرض إسرائيل التوراتيّة التي تشمل الضفة الغربية والتي يسعى العديد من وزرائه علنا إلى ضمّها.
متى يقبل نتنياهو حقيقة أن حماس لن تذهب إلى أي مكان وأن الوضع الراهن ببساطة لا يمكن الدفاع عنه ؟ أجل، يمكن لإسرائيل أن تذهب إلى غزة مرة أخرى وحتّى أن تفني قادة حماس في الوقت الذي تحدث فيه دمارا هائلا للقطاع كما فعلت ثلاث مرات في الماضي. ولكن ماذا بعد ذلك ؟ سيأتي قادة جدد وحتى أكثر تطرفا في وقت قصير. لن يتغير جوهريا أي شيء سوى الإبقاء على الحلقة المفرغة من العنف التي لا يمكن لأي من الطرفين الخروج منها دون أي أذى.
يجب على الجانبين أن يتفهما واقعهما. أجل، هذا هو الشيء المنطقي والعملي الذي يجب قبوله. ولكن للأسف، المنطق والواقعية غالبا ما تفسح المجال للعواطف التي في غير محلها وللأيديولوجية المضللة وللإعتقاد الأعمى. ولكن انظروا إلى أين قادتهم هذه التعاليم السامية. فالجحيم يكمن في ظلمة خلقهم.
إن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين يريدون العيش في سلام. وليس هناك حاجة إلى موت أي طفل إسرائيلي أو فلسطيني آخر بسبب الزعماء الغير حكيمين الذين جعلوا من تحدّي الوقت والظروف مهنة على حساب شعوبهم، هذا في حين أنّ الحلّ في متناول أياديهم.