اللاجئون الفلسطينيون: الحقّ مقابل الواقع
قلت في مقالتي الأخيرة بأن الحلّ النهائي لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة يعتمد على إعادة التوطين و / أو التعويض. في الواقع ، ونظراً لتاريخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وأبعاده النفسية والسياسية والديموغرافية ، لا يوجد ببساطة أي حل آخر قابل للحياة. إلا أن العديد من الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة وخارجه يستمرون في الإدعاء بأن حق عودة اللاجئين غير قابل للتصرف. وردًا على هذا المقال ، جادل النقاد الفلسطينيون بصخب بأنه بغض النظر عن المدة التي سيستغرقها، فإنهم لن يتخلوا أبداً عن حقهم التاريخي.
ردّي هو أن حل المشكلة لا يمكن أن يعتمد فقط على إدراك الفلسطينيين لما هو تاريخيا صحيح أو خطأ. لا يمكن أن تتحقق المطالب التقليدية المستندة إلى الحسابات التاريخية لأن ما تمليه حدود اليوم والسيادة هي الحقائق السياسية والديمغرافية على الأرض التي لا يمكن التخلص منها.
ستكون خريطة العالم مختلفة تمامًا اليوم إذا أمكن تحقيق هذه المطالبات التاريخية. هذا ينطبق على الإسرائيليين أنفسهم اللذين من بينهم من يطالب “بإسرائيل الكبرى” على أساس الروايات التاريخية أو التوراتية ، وكذلك الفلسطينيون الذين يعيشون على نفس الأرض منذ قرون.
ولذا ، لم يعد من الممكن تسوية مطالبات الإسرائيليين ةالفلسطينيين بنفس الأرض من قبل أي من الطرفين بإمتلاك جميع الأراضي. وبالنظر إلى الواقع على الأرض، فإن الحل الوحيد القابل للتطبيق يعتمد على تقاسم الأراضي. وفي حين تقدم اليهود في إسرائيل وأقاموا دولتهم عام 1948 ، أهدر القادة الفلسطينيون كل فرصة لإقامة دولتهم.
رفضوا خطة التقسيم للأمم المتحدة عام 1947 ، ورفضوا عرض رئيسة الوزراء الراحلة غولدا مائير بإعادة جميع الأراضي التي احتلتها في حرب الأيام الستة عام 1967 مقابل السلام وحلّ يتفق عليه الطرفان لمستقبل القدس ، ورفضوا كذلك الإنضمام لمفاوضات السلام المصرية الإسرائيلية في عام 1977.
علاوة على ذلك ، وعلى الرغم من اتفاقيات أوسلو 1993-1994 ، أضاع الفلسطينيون فرصة تاريخية لصنع السلام في عام 2000 في كامب ديفيد ومع حكومة أولمرت في 2008-2009. وأنا أعزو الفشل في مفاوضات السلام تحت رعاية إدارة أوباما في عام 2013 – 2014 – للقادة على كلا الجانبين ، لأنهم لم يكونوا مستعدين لتقديم التنازلات اللازمة لصنع السلام.
للأسف ، لم يتوقف الفلسطينيون مطلقاً عن المطالبة بحق العودة الذي كان بشكل مباشر لصالح الإسرائيليين اليمينيين الذين قدموا حجة مقنعة بأن الفلسطينيين يسعون إلى تدمير دولتهم بالوسائل الديموغرافية لأنهم لا يستطيعون تحقيق ذلك من خلال استخدام القوة.
لقد كنت أنا شخصيّا من داعمي حلّ الدولتين على مدى العقود الثلاثة الماضية. لقد إنتقدت، ولا أزال، الإحتلال الإسرائيلي بجميع أشكاله. لقد أدنت كل حكومة إسرائيلية انتهكت الحقوق الإنسانية للفلسطينيين ، سواء كانت مصادرة الأراضي الفلسطينية أو الغارات الليلية أو السجن أو تقييد التنقل بلا سبب. وقد انتقدت بأقوى العبارات القانون الأساسي الإسرائيلي القومي الأخير الذي أعتبره تمييزيا ً وعنصريّا ً.
ومع ذلك ، فإن مجال عملي هو حلّ النزاعات. أنا أنظر إلى كل زاوية لها أي تأثير على النزاع الموجود. عشرات العناصر تدخل في هذه المعادلة ، وبالأخص:: التطور التاريخي والروايات الداعمة أو الناقضة والبعد النفسي والمعتقدات الدينية والسوابق والحالة الراهنة للأمور. والأهم من ذلك ، أنني أعتبر الحقائق السائدة على الأرض غير قابلة للتغيير دون حدوث كارثة.
هذا ما دفعني إلى الإعتقاد بأن إسرائيل لن تقبل تحت أي ظرف من الظروف حق عودة اللاجئين ، لأن هذا سيعني نهاية إسرائيل كما نعرفها. إذا كانت إسرائيل ستبقى ديمقراطية ، فإن تدفق ملايين الفلسطينيين سيغير على الفور التوازن الديموغرافي بين اليهود الإسرائيليين والعرب الفلسطينيين وبالتالي الهوية القومية اليهودية للدولة – سيكون الفلسطينيون مسيطرين بالكامل.
ليس هناك حزب سياسي واحد في إسرائيل ، بغض النظر عن ميله السياسي ، يدعم حلّ الدولة الواحدة، بالتحديد لهذا السبب. وهؤلاء الفلسطينيون الذين يطالبون بالإستمرار في النضال مائة عام أخرى حتى يحققوا حقهم في العودة مضللون ومدمرون بشدة للقضية الفلسطينية.
يجب على كل فلسطيني أن يدرس بعناية ما حدث خلال السنوات السبعين الماضية منذ إقامة دولة إسرائيل بينما كانوا ينتظرون حقهم في العودة. فهل يريدون الإنتظار لمدة 70 سنة أخرى لتحقيق هذا الهدف الوهمي؟
أصبحت إسرائيل خلال هذه الفترة – مع كلّ الحسابات – قوة عالمية ، ليس فقط بسبب امتلاكها لأسلحة نووية كما يُقال ، بل لأنها أصبحت عملاقاً تقنيّاً ذو اقتصاد قوي وتقدم غير مسبوق في كل مجال من مجالات الحياة – في العلوم ، الهندسة الزراعية والكيمياء والتكنولوجيا العسكرية والإختراقات الطبية واستكشاف المحيطات والفضاء ، وهلم جرا.
إنني أؤكد أن الفلسطينيين ليسوا بأقل إبداعا ً وقدرة ً عن الإسرائيليين ويمكنهم إدراك كل ما يطمحون إليه. ولكن لماذا بعد مرور 70 سنة ما زال مئات الآلاف من الفلسطينيين يقبعون في مخيمات اللاجئين ويعيشون على المساعدات وملايين آخرين فقراء ويائسين، هل لأنهم أقل شأنا من الإسرائيليين؟ الجواب بشكل قاطع لا.
السبب هو أنه بينما كانت إسرائيل تركز على بناء دولة وتحارب أعداءها على جميع الجبهات ، كان القادة الفلسطينيون يركزون على تدميرها. لقد خانوا شعوبهم بإدامة مشكلة اللاجئين من أجل تحقيق مكاسب سياسية شخصية بينما حرموهم من كل فرصة للإستفادة من مواهبهم وإبداعهم ومهارتهم ليصبحوا قادة بحقّ في كل مهنة.
لقد حقق عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين غادروا الأوضاع البائسة في فلسطين ودرسوا في الخارج نجاحاً هائلاً في المجال الذي إختارونه ويقدمون مساهمات كبيرة لكل مؤسسة هم مرتبطون بها.
لم يكن هناك احتلال قبل عام 1967 ولم يتم بناء مستوطنة إسرائيلية واحدة في الضفة الغربية أو غزة. كان لدى القادة الفلسطينيين كل فرصة لتحقيق الدولة ، حتى لسنوات عديدة بعد حرب 1967. لكنهم ضللوا شعوبهم للإعتقاد بأن خلاصهم يعتمد على تدمير إسرائيل، هذا بدلاً من بناء البنية التحتية لدولة مستقلة يمكن أن تزدهر وتنمو، وهذا كان سيقنع الإسرائيليين أيضاً بأنهم يريدون العيش جنباً إلى جنب في دولتهم بسلام.
وبدلاً من ذلك أقحموا أنفسهم بشكل متواصل في روايات شعبية مضللة وقديمة ومرهقة حول حق العودة. إنهم يقدمون لشعوبهم مبررات لتبرير إخفاقاتهم البائسة بدلا ً من التركيز على بناء البنية التحتية لدولة قابلة للحياة وتوفير فرص للتنمية الإقتصادية وبناء المدارس والمؤسسات الطبية والعلمية والتكنولوجية والإجتماعية.
وتقدم حماس في غزة مثالاً صارخًا على كيفية استمرار القادة الفاسدين والمضللين في إضاعة مئات الملايين من الدولارات في بناء الأنفاق وشراء الأسلحة وتصنيعها ، في حين أن الشعب، صغارا وكبارا ، يائسون ومعوزون.
وبينما يعتقدون بأن يوم تدمير إسرائيل قريب، فإنهم في الواقع يدمرون النسيج الإجتماعي لمجتمعاتهم الذي لن يستعيدوه طالما أنهم يواصلون التمسك بهذا الحلم المستحيل.
ويبقى احتمال حلّ الدولتين الخيار العملي الوحيد القائم على أساس حدود عام 1967 مع مقايضات جوهرية للأراضي. لا يوجد شيء جديد حول هذا الحل ، لكن الأمر يتطلب من القادة الفلسطينيين والإسرائيليين المتنورين التخلي عن سرداب الماضي المظلم وحشد الشجاعة وقبول حتمية التعايش.
وللأسف ، هؤلاء القادة حالياً غائبون عن المشهد السياسي ، والوقت ينفذ.