All Writings
أبريل 30, 2013

لا بدّ من إعادة إحياء مبادرة السّلام العربيّة الآن !

تُعتبر إعادة إحياء مبادرة السلام العربيّة التي انطلقت لأول مرّة من مؤتمر القمة العربيّة المنعقد في بيروت عام 2002 تحرّكا ً استراتيجيّا ً في الوقت المناسب. كان من المفروض لهذه المبادرة وللأسف الشّديد أن تشكّل الأساس لاتفاقيّة سلام ٍ لإسرائيليّة – فلسطينيّة والتي كانت – وما تزال – الشرط الأساسي المسبق لسلام ٍ عربي – إسرائيلي شامل. لقد كنت ومنذ سنين أقول – وهذا ليس بالشيء الجديد – بأنّه كان بإمكان الإسرائيليين والفلسطينيين التوقيع على معاهدة سلام ثنائيّة لو قبلت إسرائيل مبادرة السّلام العربيّة كإطار ٍ لسلام ٍ عربي – إسرائيلي شامل.

كان بإمكان مخاوف إسرائيل الأمنيّة القوميّة, الحقيقي منها والخيالي, أن تتلاشى أو تهدأ على الأقلّ بشكل ٍ جذري لو كانت الدول العربيّة, ومع امتدادها جميع الدول الإسلاميّة أيضا ً, في سلام ٍ مع إسرائيل. فبرفضها مبادرة السّلام العربيّة اقترفت الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة خطأ ً ذات أبعاد ٍ تاريخيّة.

وبالنسبة للفلسطينيين, فبالنظر إلى تشرذمهم السياسي والتصاقهم بالصّراع مع إسرائيل, كان بمقدور سلام ٍ عربي – إسرائيلي شامل فقط أن ينهي الإحتلال ويقيم دولة فلسطينيّة. وهنا أخفقت الدّول العربيّة أيضا ً في الدّفع بمبادرتها وبقوّة للأمام والترويج لها وتركت الفلسطينيين لمصيرهم.

ولكن لماذا الآن ؟ هناك عدّة أسباب اضطراريّة وراء رغبة الولايات المتحدة والدول العربيّة ورغبة فاترة من طرف إسرائيل لإعادة إحياء مبادرة السّلام الوحيدة التي تشكّل الأساس لسلام ٍ عربي – إسرائيلي شامل. وهذا سيتطلّب جهودا ً جبّارة من طرف الولايات المتحدة وبشكل ٍ خاصّ بسبب القلق المنتشر, خصوصا ً في إسرائيل, فيما يتعلّق بالتغييرات الغير محدّدة التي من الضروري القيام بها.

إنّ إخفاق إقحام إسرائيل والفلسطينيين في مفاوضات ٍ مجدية خلال الفترة الأولى من رئاسة أوباما والمخاوف والإحباطات المتزايدة حول المأزق المستمرّ قد أجبرت الولايات المتحدة الآن للبحث عن خيارات حيويّة أخرى. وهنا تبرز مبادرة السّلام العربيّة كالإطار الفريد الأكثر حيويّة وقابليّة للتطبيق وبالأخصّ لأنه كان مبادرة الإجماع العربي السياسي.

تزيد الإضطرابات والثورات التي تكتسح الشرق الأوسط والمخاوف حول تجدّد المواجهات العنيفة بين إسرائيل والفلسطينيين نتيجة المأزق الحالي المستمرّ من قلق الدّول العربيّة. ولذا فإن تسوية الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي تنظر إليه الدول العربيّة على أنّه المصدر الرئيسي لعدم استقرار المنطقة قد أصبحت أكثر إلحاحا ً من أي وقت ٍ مضى. أضف إلى ذلك أنّ مبادرة السّلام العربيّة توفّر الأرضيّة التي بالإمكان أن تلتفّ حولها جميع الفصائل الفلسطينيّة بدعم ٍ تام ّ من الدول العربيّة للبحث عن حلّ عادل.

وأخيرا ً, ففي صحوة التهديد الإيراني والنتيجة المجهولة للحرب الأهليّة في سوريا, تبحث الدّول العربيّة عن عمليّة لإشراك الولايات المتحدة في جهود ٍ هادفة لحلّ الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني, فالولايات المتحدة – من وجهة نظرهم – هي الوحيدة القادرة على جسر الهوّة ما بين إسرائيل والفلسطينيين في وقت ٍ يسود فيه الغموض التامّ.

كم من الوقت تحتاج المبادرة لتنجح ؟

أوّلا ً, بالرّغم من أنّ الدول العربيّة ترفض إجراء أيّة تغييرات على نصّ مبادرة السّلام العربيّة, على الأمين العام لجامعة الدّول العربيّة, نبيل العربي, أن يعلن جهارا ًبأن قبول إسرائيل مبدأ مبادرة السّلام العربيّة سيحتاج بالضرورة لمفاوضات لوضع التفاصيل لأية اتفاقيّة محتملة. لم تُقدّم المبادرة في يوم ٍ ما على أساس “إمّا أن تُقبل بالكامل أو تُرفض بالكامل” ولو أنّه من الضروري التعامل مع مختلف عناصر المبادرة والإتفاق عليها في أية اتفاقيّة سلام.

إذا أعلن مثل هذا التصريح بعد اجتماعات ممثلي الجامعة العربيّة (أي بالتحديد وزراء خارجيّة المملكة العربيّة السعوديّة وقطر ومصر والمغرب والأردنّ وممثّل عن السلطة الفلسطينيّة والأمين العام للجامعة العربيّة) وجون كيري في واشنطن الأسبوع القادم, سيكون خطوة كبيرة نحو إقناع حكومة نتنياهو لقبول مبادرة السّلام العربيّة من حيث المبدأ.

وثانيا ً, تقدّم المبادرة لحماس – التي يجب أن تكون جزءا ً لا يتجزّأ من المفاوضات المستقبليّة – الفرصة لقبول مبادرة السّلام العربيّة (انضماما ً لإجماع الدّول العربيّة) دون إجبارها على الإعتراف مقدّما ً بإسرائيل وقبولها الإتفاقيّات المبرمة سابقا ً على النحو الذي اشترطت عليه الرباعيّة الدوليّة. وهذا يعني بدوره بأنّه يجب على الدول العربيّة, وبالأخصّ مصر, أن تبذل قصارى جهدها لإقناع حماس بالتخلّي رسميّا ً عن العنف والتركيز على حلّ سياسي كما تنصّ عليه المبادرة. وتجدر الإشارة إلى أنّ قادة حماس, بمن فيهم خالد مشعل وغازي حمد, قد أعلنوا في أكثر من مناسبة بأنهم سيقبلون حلّ الدولتين على أساس حدود عام 1967. واستنادا ً إلى قول غازي حمد “توافق جميع الفصائل في الحركة على ذلك وهي مستعدّة لقبوله”.

ثالثا ً, على إسرائيل أن تقدّم إشارات حسن نيّة بإطلاقها سراح أسرى فلسطينيين حيث أنّ هذه القضيّة في منتهى الحساسيّة بالنسبة للرئيس محمود عبّاس, وإعلان توقّف مؤقّت لبناء مستوطنات جديدة والتوسّع في مستوطنات قائمة في مناطق حسّاسة. أضف إلى ذلك, على إسرائيل – كما اقترح وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري – أن تحوّل جميع ايرادات الضرائب والجمارك التي تجمعها من العمّال الفلسطينيين نيابة عن السلطة الفلسطينيّة.

رابعا ً, وعلى الرّغم من أنّ مبادرة السّلام العربيّة تدعو لترجيع جميع المناطق المحتلّة في حرب عام 1967, غير أنّه على الدول العربيّة ألاّ تطالب في هذه المرحلة تخلّي إسرائيل عن هضبة الجولان. فبالنظر للحرب الأهليّة في سوريا وعدم التيقّن مما سيحدث بعد الإطاحة بالأسد, سيكون من المستحيل بالنسبة لإسرائيل أن تفكّر الآن بالإنسحاب من هضبة الجولان. أضف إلى ذلك, من المفروض أن يكون انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان بعد التوقيع على اتفاقيّة سلام اسرائيليّة – فلسطينيّة أوّلا ً واستقرار الوضع الأمني في سوريا, الأمر الذي سيعطي إسرائيل المزيد من الطمأنينة لما سيحدث مستقبلا ً.

خامسا ً, يجب على الولايات المتحدة أن تعتمد على أنقرة بألا تقوم هذه بتعكير الأجواء – كما يخشى جون كيري – بتوجيه مطالبات غير معقولة إلى إسرائيل فيما يتعلّق برفع الحصار عن قطاع غزّة. وعلى أنقرة, بدلا ً من ذلك, أن تتبنّى أسلوبا ً متوازنا ً بإعادة أوّلا ً العلاقات الدبلماسية الكاملة مع إسرائيل (وبالأخصّ الآن بعد الإعتذار الرسمي) وممارسة نفوذهاالفعّال على حماس للتخلّي عن أيّ استفزاز ٍ مثير للعنف, وذلك لتشجيع إسرائيل القيام بمزيد ٍ من إجراءات تخفيف الحصار عن قطاع غزّة.

سادسا ً, على الأمين العامّ لجامعة الدّول العربيّة, نبيل العربي, أن يؤكّد علنا ً بأن مبادرة السّلام العربيّة تؤكّد بوضوح على أنّ الدول العربيّة ستعترف بإسرائيل وستقيم علاقات دبلماسيّة كاملة معها في حالة التوصّل إلى اتفاقيّة مع الفلسطينيين. سيكون لهذا التصريح العلني تأثيرا ً سيكولوجيّا ً عميقا ً على الرأي العام الإسرائيلي الذي يشكّك بالنوايا النهائيّة للدول العربيّة.

يحتاج الإسرائيليّون لهذه التأكيدات العلنيّة من أجل خلق تأييد شعبي للمبادرة, وبالأخصّ بعد زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لإسرائيل ومناشدته الشباب الإسرائيلي لقيادة المسيرة نحو السّلام. وسيجد أي رئيس وزراء إسرائيلي, بمن فيهم نتنياهو, نفسه في موقف ٍ صعب إن لم يحتضن تحت هذه الظروف مبادرة السّلام العربيّة.

سابعا ً, يجب على مراكز الفكر الإسرائيليّة, شاملة المجتمع الأكاديمي, حركات الشباب, المنظمات العماليّة, المعابد اليهوديّة, وسائل الإعلام وجميع الأحزاب السياسيّة التي تسعى وراء نهاية الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني أن تشارك معا ً في خلق روايات شعبيّة جديدة حول كلّ قضيّة خلاف ما بين إسرائيل والفلسطينيين. يجب استغلال جميع الخيارات حتّى يفهم الرأي العام القضايا الملحّة التي لا سبيل لتجاهلها والتنازلات الضروريّة للتوصّل لحلّ شامل.

وأخيرا ً, من كان يظنّ أن يقوم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني, أمير قطر, السياسي التقدّمي والمنفتح للأفكار الجديدة, بدعوة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس لزيارة الدوحة. ففي اجتماع ٍ للأمير مع الرئيس أوباما أبدى الأمير استعداده لدعم عمليّة السّلام بقوله:”من المهمّ جدّا ً بالنسبة لنا أن نرى سلاما ً بين إسرائيل والفلسطينيين وأن نرى أيضا ً علاقة حسنة بين الدّول العربيّة وإسرائيل بعد التوصّل لاتفاقيّة سلام ٍ فلسطينيّة – إسرائيليّة”. وزيارة شمعون بيرس هذه, وهو أحد المؤيدين المخلصين لمبادرة السلام العربيّة, لدولة عربيّة نشطة في سعيها وراء السّلام سترسل رسالة واضحة للإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء بأن العالم العربي عازم على إنهاء الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

هذه ليست أوّل مرّة يُدعى فيها مسئول إسرائيلي كبير لزيارة الدّوحة فقد سبق ودعيت وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة السابقة تسيبي ليفني (حاليّا ً وزيرة العدل) لإلقاء خطاب في مؤتمر الدوحة المنعقد في شهر أبريل 2008. والزيارة الرسميّة التي سيقوم بها الرئيس شمعون بيرس ستخطو خطوة كبيرة في الكشف للإسرائيليين المتشكّكين بأن العالم العربي جادّ في سعيه وراء السّلام.

تقدّم عمليّة إحياء مبادرة السلام العربيّة الأمل الأكثر وعدا ً بحدوث اختراق في الجمود السياسي الحالي. وهذا بحاجة على أية حال لكي يحدث للتصميم الجماعي من طرف الدول العربيّة والفلسطينيين وإسرائيل والولايات المتحدة .

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE