All Writings
يونيو 17, 2013

محاولة كيري الأخيرة

سيقوم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أثناء زيارته القادمة لإسرائيل وفلسطين بمحاولته الأخيرة لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس باستئناف مفاوضات السلام. وإذا كان هناك على أية حال أضعف فرصة لجعل كلا الطرفين يشرعان في التفاوض، فإن ذلك سيتطلب ضغطاً أمريكياً هائلاً والتزاماً قوياً من طرف الولايات المتحدة لإنقاذ عملية السلام.

ونظراً لموجة الاضطرابات والثورات الإقليمية، وبالأخصّ في سوريا، سيكون السؤال: هل الولايات المتحدة مستعدة لاستثمار هذا القدر من الوقت ورأس المال السياسي على مشروعٍ غير مضمون في الوقت الذي يجب عليها أن تركز الآن على الصراع الأكثر إلحاحاً وخطورة والذي بمقدوره أن يشعل حرباً إقليمية؟

أضف إلى ذلك، ففي حين قد يكون هناك فرصة ضئيلة لاستئناف المفاوضات، ليس لدى نتنياهو ولا عباس استراتيجية سياسية، ولا يتّخذ أي منهما إجراءاً على أرض الواقع يدلّ على أنهما مستعدان وراغبان في التوصل لاتفاقية.

وبالفعل، فقد اتخذ كل منهما مواقف معيّنة وسلك سياسات أعاقت عملية السلام بدلاً من دفعها إلى الأمام. وإنه لشيء محزن أن نرى كليهما، نتنياهو وعباس، يفتقر للرؤية البعيدة وللشجاعة لتغيير المسار، حارمين شعبيهما من فرصة تحقيق طموحاتهم من أجل السلام.

لقد أشار الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون في كتابه الصادر عام 1990 بعنوان:”القادة” إلى مفهوم “القيادة” أو “الزعامة” بقوله:”البصيرة، أو معرفة أية طريق ستقود، هي من صلب ميزات الزعامة الفذّة. فكلمة “قائد” أو “زعيم” تتضمن المقدرة على العمل كمرشد وكذلك النظر إلى ما وراء الحاضر في التخطيط لمسار المستقبل”.

نتنياهو شخص إيديولوجي ليس لديه استراتيجية سياسية معروفة لحلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ولا بصيرة إلى أين ستؤدي سياساته التوسعية والعسكرية في غضون 10 أو 15 عاماً. إنه مركّز على الإبقاء على استراتيجية الردع المدعومة بقوة عسكرية متفوقة تستطيع في نفس الوقت التعامل مع مواجهات عسكرية على عدة جبهات ولكنها تجعل من إسرائيل دولة عسكرية محاطة بالسياجات والأسوار.

وعلانية يصرّ نتنياهو على أن إسرائيل ليست قوّة محتلة وأن لإسرائيل حق غير قابل للتحويل على كامل “أرض إسرائيل”، أي إسرائيل وجميع المناطق الفلسطينية. أضف إلى ذلك، فإنه لا يقبل بحدود عام 1967 كأساس التفاوض على حلّ الدولتين. كما ويدّعي نتنياهو بأنه لا يمكن الوثوق بالفلسطينيين وأنّ أمن إسرائيل القومي يعتمد على حدود “قابلة للدفاع” تتطلّب بالضرورة ضمّ أجزاء مهمّة من الضفة الغربية.

وعلى المستوى العملي، فإنه مدافع متحمّس حاضراً ومستقبلاً لبناء مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة ويوفر مساعدة مالية ضخمة للمستوطنين ويكرّس موارد أساسية لحمايتهم.

ويستمرّ نتنياهو إبّان ذلك بتقييد حركة الفلسطينيين وتحديد التفاعل والتعاون الإسرائيلي – الفلسطيني وكبح المشاريع الاقتصادية المشتركة والزيارات المتبادلة ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي تخدم بحدّ ذاتها بناء الثقة التي يدّعي نتنياهو بأنها غير موجودة.

وعلى الجانب الآخر، فقد كان الرئيس محمود عباس فترة من الزمن مدافعاً قوياً عن حلّ الدولتين وكان يسعى للوصول إليه عبر الوسائل والطرق السلمية. وعدا عن حفاظه على التهدئة فإنه لم يفعل الشيء الكثير لتحضير الرأي العام لتعايش سلمي بين الشعبين.

لقد أصرّ الرئيس الفلسطيني على تجميد كامل لبناء مستوطنات جديدة وتوسيع القائم منها وعندما وافق نتنياهو أخيراً تحت ضغطٍ أمريكي على تجميد النشاط الاستيطاني لمدة عام في عام 2009 انتظر عشرة أشهر قبل الموافقة على الدخول في مفاوضات استمرّت شهرين فقط بدون أية نتيجة.

وفي حين حشر عباس نفسه في زاوية بإصراره على تجميدٍ كاملٍ للمستوطنات كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات، فقد سعى إلى رفع مكانة فلسطين لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عضو مراقب بدون حق التصويت ونجح في ذلك. وبالرّغم من أن هذه قد تكون الخطوة الصحيحة للقيام بها، غير أنها لم تحرك الكثير لأنها زادت من تصلّب الموقف الإسرائيلي من مشكلة المستوطنات ونظر إليها كخطوة مساعدة من قبل الأمريكيين اللذين أصرّوا على أن المفاوضات المباشرة فقط هي القادرة على دفع عملية السلام إلى الأمام.

ومن الناحية السياسية فإن عباس منزعج وقلق جداً من منافسة حماس الحقودة لفتح وإصرارها على استمرار المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، الأمر الذي أعاق ويعيق قدرته على المناورة سياسياً وزاد من ضعفه السياسي. ولتعديل وضعه السياسي الغير مستقرّ فقد تفاوض مع حماس على اتفاقية وحدة بقيت غير منجزة ولكنها صعّدت من تردي العلاقات مع إسرائيل.

ويبقى الرئيس الفلسطيني مثقلاً بالفساد المتفشي ومقيداً باستمرار المصاعب الماليّة والإقتتال الداخلي ضمن دائرته المباشرة. لقد فشل في دعم رئيس وزرائه السابق، الدكتور سلام فياض، وهو اقتصادي محترم دولياً، للضغط في التوصل لمزيد من الإصلاحات وكبح الفساد. وبدلاً من ذلك، فقد أظهر عباس علانيّة عن استيائه من فياض، الأمر الذي قاد الأخير للإستقالة في شهر أبريل/نيسان الماضي.

وعلى المستوى العملي، يستمر محمود عباس في دعم أهدافٍ يتعذر الوصول إليها أو الدفاع عنها مثل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين معطياً الفلسطينيين بذلك أملاً كاذباً. وبالرّغم من أن مواقفه هذه كانت أقرب للخطابة منها للواقع، فقد أعطى الإسرائيليين سبباً آخر للشك في صدقه.

لقد غضّ الرئيس الفلسطيني الطرف عن القدح المنهجي لإسرائيل في المدارس، وإنكار حق إسرائيل في الوجود في الكتب المدرسية، هذا في الوقت الذي يغازل فيه وسائل الإعلام الفلسطينية التي تصوّر إسرائيل على أنها مصدر كلّ الشرور.

وتبيّن لنا حتى نظرة سريعة على الأساليب الاستراتيجية والسياسية والعملية التي يتبعها نتنياهو وعباس سبب إصرارهما على استراتيجية تفاوض تناسب موقفهما السياسي والمفهوم الشعبي السلبي الذي رسمه كلّ منهما حول الطرف الآخر.

لا يقبل نتنياهو – مهما كانت نواياه وأهدافه – حلّ الدولتين ويبدي ولاءاً كاذباً وتملقاً لجهود جون كيري حتى لا يسبب مزيداً من النفور بينه وبين إدارة أوباما.

لقد استعار صفحة أو اثنتين من كتاب حنكة الإيرانيين في اللعب من أجل كسب الوقت، الأمر الذي يبدو واضحاً من إصراره على استئناف المفاوضات بدون شروط، وهو أمر بحدّ ذاته شرط مسبق.

وفي حالة استئناف المفاوضات تحت شروطه، سيسعى نتنياهو بالتأكيد للتفاوض على قضايا ثانوية مثل المياه أو مناقشة إجراءات بناء الثقة وتجنب أية قضايا جوهرية، وبالأخص الحدود، لتحديد معالم الدولتين.

وبالرغم من أن مطالبة عباس بتجميد نشاط الإستيطان قبل استئناف المفاوضات هي مطالبة عادلة ممكن تبريرها، غير أننا ندرك الآن بأن عباس قد اقترف خطأً تكتيكياً رئيسياً بعدم إسقاط شرطه المسبق بخصوص تجميد الإستيطان.

ولسوء الحظ، بدلاً من الوقوف بجانب نتنياهو للشروع في المفاوضات بدون شروط، كان من المفروض على السيد جون كيري أن يطالب بالإتفاق أولاً على قواعد يقبلها الطرفان في طريقة التفاوض تمثل على الأقل سابقة لجولات تفاوضيّة مستقبليّة وحتّى فرصة للتوصّل لتقدّم متواضع. أمّا الطريقة المثلى فهي أن يكون السيد جون كيري قادرا ً على إقناع نتنياهو وعبّاس بالتخلّي عن أيّة شروط مسبقة وتحديد القضايا المتنازع عليها بشكل ٍ واضح, وترتيب معالجة كلّ منها ووضع إطار زمني لمنع إرجاء المفاوضات لأمد طويل.

وأفضل طريقة عمليّة كما يبدو بوضوح هي الشروع بالتفاوض حول الحدود, حيث أنّ التفاوض أوّلا ً حول الحدود سيحدّد معالم الدولة الفلسطينيّة وهي أهمّ قضيّة فرديّة على الإطلاق يجب الإتفاق عليها. أضف إلى ذلك, ستحلّ اتفاقيّة حول الحدود على الأقلّ (75 %) من مشكلة المستوطنات. هذا إضافة ً إلى تحديد نسبة مبادلة الأراضي التي ستبيّن بدورها جديّة الطرفين في الوصول إلى اتفاقيّة سلام.

وحضور أمريكي على طاولة المفاوضات في جميع الأوقات أمر ٌ ضروري سيبيّن أيّ من الطرفين ملتزم فعلا ً بالتوصّل لاتفاقيّة. وفشل الإتفاق على قواعد التفاوض المشار اليها أعلاه لن يترك مجالاً للشكّ حول موقف وجديّة كلّ من نتنياهو وعبّاس.

أمّا السخريّة هنا فتتمثّل في أنّ استطلاعات الرأي المتكررة التي أجريت خلال العقد الأخير تظهر بثبات بأن أغلبيّة الإسرائيليين والفلسطينيين يريدون السّلام على أساس حلّ الدولتين, غير أنّ نتنياهو وعبّاس يؤخّران ما هو محتوم, وقد يكون ذلك على حساب شعبيهما, دما ً وتكلفة ً.

وبالرغم من اعتقادي بأنّ حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني يبقى قضيّة مركزيّة للإستقرار الإقليمي, غير أنّ الثورة والأحداث المروّعة في سوريا واحتمال انتقالها إلى دول ٍ أخرى في المنطقة قد تتجاوز على الأرجح التهدئة النسبيّة على الجبهة الإسرائيليّة – الفلسطينيّة.

وعليه, إذا فشل نتنياهو وعبّاس في انتهاز لربّما آخر محاولة لإدارة أوباما للتوصّل لسلام ٍ إسرائيلي – فلسطيني, قد يتخلّى وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري محبطا ً عن مساعيه للوساطة بين الطرفين. حينها لا يسع الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني سوى انتظار بروز قادة حكماء وذوي بصيرة وبعد نظر, قادة محرّرين من أصفاد أسلافهم. أجل, قادة بإمكانهم حشد الشجاعة لرسم مسار ٍ جديد لتعايش سلمي بين الشعبين.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE