All Writings
مايو 15, 2013

من أجل فهم ٍ أفضل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي

هناك العديد من العوائق أمام إيجاد حلّ للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي, شاملة الخبرات والتجارب التاريخيّة والحاليّة والمطالبات والمطالبات المضادّة والإفتقار للثقة والمعتقدات الإيديولوجيّة والدينيّة المتناقضة وعدم الرّغبة أو الإستعداد للقيام بتنازلات مؤلمة.

غير أنّ العائق الخطير الذي لم يُعالج حتى الآن والمستمرّ في إعاقة ايجاد حلول للقضايا المتنازع عليها هو الفهم الذي يحمله كلّ طرف تجاه الطرف الآخر والروايات الشعبيّة المتواصلة التي تغذّي وتعزّز هذه المفاهيم الخاطئة.

وفي حين أن تغيير المفاهيم قد لا يحلّ بحدّ ذاته كلّ قضيّة مختلف عليها, مثل القدس واللآجئين والأمن القومي وغيرها, غير أنّه سيساهم على أية حال وبشكل ٍ جذري في ايجاد حلول. ولذا, ما لم نقم بتصحيح المفاهيم الخاطئة لكلّ طرف ٍ حول الآخر, سيكون من المستحيل تقريبا ً أيجاد حلّ مقبول ودائم من قبل الطرفين.

الفهم السّلبي الذي تكوّن عبر عقود ٍ من الصّراع قد نشأ وتربّى عن طريق الروايات الشعبيّة التي ينشرها المسئولون من كلا الطرفين ووسائل الإعلام المتحيّزة والمدارس وغيرها من المنتديات الشعبيّة الأخرى. لقد أصبح كلّ من الطرفين يركّز اهتمامه فقط على ما يريد أن يتوصّل إليه أو يحقّقه من أهداف ٍ بصرف النّظر عن حقوق الطرف الآخر ورغباته وطموحاته الوطنيّة.

وبالرّغم من أنّ لدى أغلبيّة الإسرائيليين والفلسطينيين فكرة جيدة عن ملامح اتفاقيّة السّلام, غير أنهم يقاومون التغيير أ) لأنهم لا يثقون كليّا ً ببعضهم البعض, و ب) لأنهم ما زالوا يناضلون من أجل تحديد هويتهم الوطنيّة حيث أنّ هذا الشعور ما زال في مرحلة طفولته نسبيّا ً.

تصعّب العقليّة السائدة على المسئولين في كلا الجانبين إدراك الحقيقة وفهم الواقع والبحث عن حلول لأية قضايا متنازع عليها قبل تغيير فهم شعوبهم لتلك القضايا. وللوصول إلى تلك الغاية, عليهم أن يعملوا جاهدين أوّلا ً على تغيير خطبهم وتصريحاتهم العلنيّة مبيّنين بأنّ الوصول إلى اتفاقيّة عن طريق التفاوض أمر ٌ ممكن وأنّ الخيارات لحلّ القضايا المتنازع حولها محدودة, هذا في الوقت الذي يعترفون فيه بحتميّة التعايش السلمي.

من الواضح بأن تغيير المفاهيم الشعبيّة يأخذ أشكالا ً متعدّدة. ويجب أن يبدأ هذا التغيير – مثاليّا ً – بالمسئولين على كلا الجانبين. ولكن كون هؤلاء المسئولين “محبوسين” في مواقف شعبيّة تنكر بعضها البعض, الأمر الذي يجعلها تبدو متناقضة لا تقبل المصالحة, يصبح من المستحيل على السياسيين تغيير رواياتهم الشعبيّة بدون مضاعفات سياسيّة خطيرة. أضف إلى ذلك, فإن الإفتقار إلى قيادات جريئة وبعيدة النّظر على كلا الجانبين يجعل من تغيير المسار السياسي أمرا ً في منتهى الصعوبة وبالأخصّ في غياب حركات سلام ٍ داخليّة قويّة وضغط ٍ سياسي خارجي من شأنه أن يعطي هؤلاء القادة الغطاء السياسي الذي يحتاجونه. ولذا, ولحثّ الضغوط الداخليّة والخارجيّة على جسر الفجوة السيكولوجيّة وتغيير مفاهيم كلّ من الطرفين عن الآخر, يجب أن يكون هناك تغييرا ً جذريّا ً في الرواية الشعبيّة ويصبح هذا التغيير قضيّة مركزيّة وملحّة.

قد يحدث مثل هذا التغيير على نطاق ٍ واسع من خلال الحوارات العامّة, وبشكل ٍ خاصّ ما بين شخصيّات إسرائيليّة وفلسطينيّة مرموقة وبين شخصيّات إسلاميّة ويهوديّة عن طريق الدعوة إلى إقامة منتديات فكريّة يتكلمون فيها بشكل ٍ علني وحرّ عن العوائق التي تفرّق ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبنفس الوتيرة, على هؤلاء أن يناقشوا أيضا ً القواسم المشتركة التي يتمتّعون بها وأسباب ارتباط مصائرهم بعضها ببعض وضرورة تعايشهم بسلام.

المتطلبات الأساسيّة للمشاركين

يجب أن تكون الأجندة الوحيدة للمشاركين في كلّ من هذه المنتديات منصبّة على تعزيز السلام وعليهم أن يعرضوا، لا أن يمثلوا، في أفضل شكلٍ موضوعي ممكن آراء الإسرائيليين واليهود والفلسطينيين وغيرهم من العرب والمسلمين. وما سيؤهل هؤلاء الأفراد هي خبراتهم الشخصية والأكاديمية المتنوعة وما يتمتعون به من احترامٍ وتقدير في مجال تخصصهم ومعرفتهم الواسعة حول قضايا النزاع ووضعهم الخاص كمفكرين مستقلين وليس لهم مركز رسمي في حكوماتهم والتزامهم المطلق في إيجاد حلّ سلمي في سياق التعايش السلمي بين الشعبين.

مثلاً: يجب أن يكون من بين المشاركين عند طرح مستقبل القدس وبشكلٍ خاصّ علماء دين، أئمة، رجال دين يهود ومسيحيين (حاخامات وقساوسة) يمثلون كل الديانات السماوية الثلاث وكذلك مؤرخون متخصصون في الشرق الأوسط. يجب أن يتفق هؤلاء كلهم من حيث المبدأ بأن القدس يجب أن تكون عاصمة لدولتين، وبدون ذلك لن يتم تحقيق السلام أبداً. وبالرغم من أن هذا الحل بالنسبة للقدس يبدو أمراً محتوماً، غير أنه قد يكون من الضروري أيضاً الحديث عن إمكانيات أو احتمالات أخرى إن لم يكن لسبب آخر بل لبيان عدم جدوى خيارات أخرى.

نفس ما قيل أعلاه ينطبق أيضاً على قضية اللاجئين الفلسطينيين. فكل شخص تقريباً ملمّ بهذه المشكلة, إسرائيلي أو فلسطيني على حدّ سواء، يدرك جيداً بأن إسرائيل لا تستطيع قبول حق العودة والحفاظ في نفس الوقت على الهوية اليهودية للدولة. والسؤال الآن هو كيف تشرح للشعب الفلسطيني بأنه يمكن تطبيق حق العودة بتسهيل عودة اللاجئين إلى وطنهم – الضفة الغربية وغزة، أو إعادة توطينهم في أماكن إقامتهم وقبول تعويضات.

وفيما يتعلق بقضايا الأمن القومي، على المشاركين في منتديات الحوار والفكر هذه أن يكونوا ملمّين بالمسائل الأمنية، مثلاً أن يكون من بينهم ضباط سابقون برتب عالية ذوي خبرة في صنع السلام وخبراء متخصّصون في القضايا الأمنية.

وبالرّغم من أن هناك العديد من الأفراد والشخصيات المؤهلة للمشاركة في مثل هذه المنتديات, غير أنهم قد ينفرون أو يتخوّفون من هذه المشاركات المفتوحة خوفا ً من الإنتقادات أو حتّى الإنتقام. ولكن هناك بالمقابل العديد من الأفراد الشجعان التوّاقين للمشاركة بجهود السّلام. ستسمح هذه النقاشات والحوارات المفتوحة مع الوقت للكثيرين من الأفراد والشخصيّات المرموقة بإقامة العديد من المنتديات الأخرى وإضفاء المزيد من الرؤية والشفافيّة والمصداقيّة على مواضيع البحث.

شكل المنتديات

تعقد ندوات منفصلة عن بعضها البعض لمناقشة قضايا محدّدة وليس بالضرورة أن تُعقد هذه الندوات في نفس الوقت وبالتأكيد ليس بنفس المشاركين. وقد تعقد هذه الندوات الفكريّة على فترات ٍ زمنيّة متقاربة, مثلا ً مرّة كلّ أسبوعين أو ثلاثة, وتضمّ كحدّ أقصى عشرين مشاركا ً ومشاركة على طاولة مستديرة مدّة 3 – 4 ساعات وبحدّ أدنى من التكلفة. هذا سيعطي جميع المشاركين فرصة كافية للحديث, فيستمع الجمهور لهم ويميّز بين الآراء المختلفة بحيث يخلق وسائل وطرق مبدعة لحلّ المشاكل المعقّدة التي تمليها حتميّة التعايش السلمي بين الشعبين.

وبالرّغم من أنّ الحلول قد تصبح واضحة, غير أنها ستحتاج لأساليب إبداعيّة حول كيفيّة التوصّل اليها وتحرير الإسرائيليين والفلسطينيين من خطأ التفكير أنّ بإمكانهم الحصول على كلّ شيء يريدونه, هذا إلى جانب تعزيز عقليّة جديدة تتقبّل الظروف المتغيّرة والواقع الذي يواجهونه.

وبفضل وفرة وسائل الإتصالات الجماهيريّة الحديثة سيكون لهذه المنتديات مع مرور الزّمن تأثيرا ً جسيما ً على الرأي العام الإسرائيلي والفلسطيني وعلى كيفيّة نظر كلّ منهما للآخر على المدى البعيد.

قد تُعقد هذه الندوات في البداية في مدن معروفة تلفت انتباه الرأي العام مثل واشنطن, نيويورك, تل أبيب وحتّى رام الله ثمّ تمتدّ بعد ذلك لتشمل مدن أخرى في أوروبا وفي دول عربيّة. وقد تُنفّذ هذه الفكرة بأكملها في الوقت الحاضر بسهولة أكثر من أيّ وقت ٍ مضى بفضل ثورة تكنولوجيا الإتصالات العصريّة التي توفّر الوسائل والطرق المتنوّعة لنشر المعلومة إلى ملايين البشر خلال دقائق. هذا ويجب أن تشمل وسائل النشر المطبوعات, وسائل النّقل المباشر, اليوتيوب, الفيسبوك والتويتر وغيرها. وهناك بالتأكيد محطات تلفازيّة معيّنة مثل الإذاعة الفلسطينيّة وال “سي. سبان” والحرّة وحتّى الجزيرة التي قد تكون أيضا ً مهتمّة في نقل مثل هذه النّدوات على الهواء.

من الضروري إعادة عقد هذه الندوات بطرق ٍ مختلفة, شاملة إعادة البثّ عبر وسائل إعلام جديدة ومهتمّة ومؤسسات فكريّة تكرّس عملها للسلام العربي – الإسرائيلي وتوسيع نطاق النشر والإعلان حسب تقدّم هذه الندوات.

وبالفعل, ما لم يكن هناك متابعات مستمرّة وجهود متناسقة لتعزيز الفكرة وموضوعات البحث والنقاش والتأمّل في هذه الندوات لن تكون النتائج على مستوى الجهود المبذولة. أضف إلى ذلك, بإمكان مؤسسات الفكر والرأي بشكل ٍ خاصّ أن تشارك مع أعضائها ومواقعها على الإنترنت في فكر ومحتوى هذه الندوات. ومع تقدّم هذه المشاركات, ستزيد مشاركة الجمهور وبذلك سيزيد إثراء الإطار العامّ لمواضيع التأمل والنقاش هذه.

ستفتح هذه الجهود المتواصلة آفاقا ً جديدة لتغيير المفاهيم الشعبيّة وتحضير الشعبين على كلا الجانبين للقيام بتنازلات ومنح القيادتين التغطية السياسيّة التي تحتاجانها لصنع السّلام الذي لا بدّ من أجل التوصّل إليه أن يكون هناك تنازلات مؤلمة من كلا الجانبين.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE