التخلّي عن الرباعيّة الدوليّة لصالح مبادرة السّلام العربيّة
خلال عدّة إجتماعات كانت لي مؤخرا مع مسؤولي الإتحاد الأوروبي في بروكسل، قال لي هؤلاء بأن الوقت قد حان لإحياء رباعيّة الشرق الأوسط الدوليّة التي تتألف من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، لإنعاش عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية. وأخذت أنا بدوري موقفاً معاكساً لهذا القول لأنني أعتقد أن اللجنة الرباعية قد فشلت منذ البداية في بثّ حياة جديدة في مفاوضات السلام، لا بل أصبحت في الواقع عائقاً كبيراً أمام عملية السلام.
الشروط الثلاثة المسبقة للجنة الرباعية التي تطلب من حماس الإعتراف باسرائيل وقبول الإتفاقيات والإلتزامات السابقة ونبذ العنف قبل أن تصبح شريكاً شرعياً في محادثات السلام قد عفا عليها الزمن وأصبحت غير عمليّة لأن هذه الشروط هي بمثابة استسلام.
تجعل من المستحيل مطالب الرباعية الدوليّة على قيادة حماس التفاوض في ظل هذه الشروط. وبدون مشاركة حماس الكاملة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الوفد الفلسطيني، لا يمكن لسلام إسرائيلي فلسطيني أن يدوم حتى ولو تحقق.
لا ينبغي في الواقع على أي زعيم إسرائيلي يسعى فعليّا ً لاتفاق سلام مع الفلسطينيين أن يطالب حماس أولاً بتلبية متطلبات اللجنة الرباعية. فبعد أن عانت حماس من إهانات ومذلاّت الحصار لفترة طويلة، حتى وإن وافقت على التفاوض بالإكراه من موقفها الحالي الضعيف، فاتفاق سلام أو هدنة طويلة الأمد لن تكون سوى مسألة وقت حتّى تنهض حماس مرة أخرى لاستعادة كرامتها.
نتنياهو يدعم شروط اللجنة الرباعية المسبقة لأنه يعلم جيدا أن حماس لن تقبل بها. وهكذا، فإن الرباعية تقدّم لنتنياهو في الواقع الغطاء السياسي الذي يحتاجه لإحباط أية مفاوضات جوهرية، مدّعياً بأن الفلسطينيين عازمون على تدمير اسرائيل، في حين يلعب حماس ضد السلطة الفلسطينية، والعكس.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن تدفع إدارة أوباما باتجاه إستئناف محادثات السلام خلال عام الإنتخابات، فإن 2016 لن توفر فرصة فريدة من نوعها بالنسبة للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي – الذين يعتبرون اللاعبين الفعالين الوحيدين في اللجنة الرباعية – لتمهيد الطريق لمفاوضات جديّة في عام 2017 وما بعده، هذا إلاّ إذا جعلوا من مبادرة السلام العربية (وليس الرباعية الدوليّة) الإطار المحوري لأية محادثات في المستقبل.
وعلى عكس الرأي السائد بين كثير من الإسرائيليين، لم يتم عرض مبادرة السلام العربية على إسرائيل على أساس إمّا القبول بها أو تركها ، بل أنها توفر حتّى عدة قواسم مشتركة بين حماس وإسرائيل لتحقيق حلّ الدولتين فضلا ً عن أنها تقدّم مخرجا ً لحفظ ماء وجه حماس.
يمكن للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي إقناع عدد من الدول العربية والإسلاميّة ، وخاصة المملكة العربية السعودية، وقطر، ومصر، وتركيا، التي تتمتّع بنفوذ كبير على حركة حماس، لممارسة الضغط السياسي والمادي على قيادتها لتبنّي رسمياً مبادرة السّلام العربيّة.
لقد صرّحت حماس بوضوح في أكثر من مناسبة (في 2011، 2013، و 2014)، أنها مستعدة للتفاوض على اتفاق سلام بمقتضى شروط ٍ مطابقة تقريباً لمبادرة السّلام العربيّة. وحماس تدرك أن إسرائيل خُلقت لتبقى وتبحث الآن عن سبل لزيادة تخفيف الحصار ورفعه كلياً في نهاية المطاف ، وهذا لن يتيسّر إلاّ في سياق مبادرة السّلام العربيّة.
وفي السياق نفسه، يجب على الولايات المتحدة جنبا إلى جنب مع الإتحاد الأوروبي ممارسة ضغط ٍ مكثّف بلا هوادة على إسرائيل لاحتضان كذلك مبادرة السّلام العربيّة. الآلاف من الوجهاء الإسرائيليين، بما في ذلك الرئيس السابق بيريز، ويوفال رابين (ابن اسحق رابين)، ورؤساء سابقين لوكالات الأمن الإسرائيليّة، بمن فيهم رئيس الموساد السابق مئير داغان والعديد من الأوساط الأكاديمية ومراكز البحوث وجنرالات متقاعدين وأكثر من نصف الجمهور الإسرائيلي يؤيّدون في الوقت الحاضر مبادرة السّلام العربيّة.
وكشف إستطلاع أجري بتكليف من مبادرة إسرائيل للسلام في عام 2013 أن 55 في المئة من المستطلعين يؤيدون مبادرة السّلام العربيّة وأن هذه النسبة ستقفز إلى 69٪ إذا كانت مدعومة من قبل رئيس الوزراء.
وعلاوة على ذلك، هناك العديد من الأحزاب السياسية في المعارضة تنظر إلى مبادرة السّلام العربيّة على أنها محورية للتوصل إلى سلام دائم. وصرّح مؤخّرا ً يائير لبيد، زعيم حزب “يش عتيد” (هناك مستقبل) من الوسط، بقوله: ” إنّ عقد مؤتمر إقليمي كالطلقة الاولى لترتيب إقليمي شامل هو الأداة التكتيكية والسياسية الأكثر فعالية للتوصّل إلى استمرار هذه العملية. يجب أن يكون إطار المناقشات في هذا المؤتمر المبادرة السعودية العربية التي طُرحت في عام 2002. “
تجعل هذه المبادرة الإعتراف بإسرائيل شرط لقبول إسرائيل بحل الدولتين على أساس حدود 1967 مع بعض عمليّات لتبادل الأراضي على النحو المتفق عليه بين وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية جون كيري. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مبادرة السلام العربيّة تفتح الباب أمام حماس للعودة إلى حظيرة الدول العربية ولن يعد بعد ذلك وصفها بأنها منظمة إرهابية.
أجل، حماس ليست منظمة إرهابية حسب أي تعريف كلاسيكي، لأن العديد من البلدان، بما فيها البرازيل وسويسرا وقطر وتركيا، تعقد صفقات مع حماس ككيان طبيعي. وإسرائيل نفسها تتعامل مع حماس يومياً وعلى عدة جبهات، بما في ذلك التجارة والسفر، وضمنا أيضا ً على مسائل تتعلّق بالقضايا الأمنية، وذلك للحفاظ على وقف إطلاق النار غير الرسمي.
ومما لا شكّ فيه أنّ تبنّي مبادرة السّلام العربيّة من قبل كل من إسرائيل وحماس سيغيّر الوضع، وخصوصا ان الدول العربية هي أكثر استعداداً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بسبب الإضطرابات والثورات الإقليميّة ولأن كلاًّ من إسرائيل والدول العربية لديها عدو مشترك، هو إيران.
يصبح الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستعصياً أكثر فأكثر في كل يوم يمرّ. لقد حان الوقت للولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لرسم مسار جديد وتحرير أنفسهم من فكرة أنه يجب التمسك بالأطر الماضية من أجل السلام، وخاصة اللجنة الرباعية، التي لم تساهم في الواقع في التقدّم بعملية السلام ذرة واحدة.
لقد تغير الزمن. واللجنة الرباعية كانت ميتة منذ اليوم الأول، و لن تنجح الآن من خلال محاولة إحياء العمليّة السلميّة. يجب أن يكون التركيز بدلاً من ذلك على الطابع العالمي للمبادرة العربيّة بحيث تحشد حولها أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين،هذا فضلاً عن الدول العربية والمجتمع الدولي.
يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء التركيز طوال عام 2016 على تهدئة، لا بل إزالة، الحاجز النفسي من خلال اتخاذ تدابير مصالحة بدعم وتشجيع من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وتمهيد الطريق لاستئناف مفاوضات سلام ذات مصداقية مع التزام لا يتزعزع. من شأن هذا الإلتزام أن يؤدي إلى اتفاق إسرائيلي – فلسطيني في إطار سلام عربي إسرائيلي شامل يسعى الإسرائيليون إليه ولا تستطيع سوى مبادرة السّلام العربيّة توفيره لهم.
أجل، يجب التخلي عن اللجنة الرباعية لصالح مبادرة السلام العربيّة التي تكتسب زخماً في الأشهر الأخيرة في غياب أي إطار بديل آخر قابل للحياة يؤدي للسلام.