ضربة سياسيّة موفقة أم خطّة سياسيّة ماكرة ؟

إنّ خطوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتوسيع إئتلافه ليضمّ حزب كاديما ("التقدّم") الممثّل ب (28) مقعدا ً في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) توفّر له أغلبية مطلقة قوامها (94) صوتا ً من أصل (120) صوت برلماني وتشكّل بحدّ ذاتها إمّا ضربة سياسيّة موفقة أو خطّة سياسيّة ماكرة حيث يعتمد ذلك كلّه عمّا سيفعله نتنياهو بمهمّته التاريخيّة هذه. وما يجب أن يكون الآن على رأس أجندته السياسيّة الوطنيّة وقبل أيّ شيء آخر هو التوصّل إلى اتفاقيّة سلام مع الفلسطينيين وجسر الهوّة الإجتماعيّة في المجتمع الإسرائيلي. وإذا نجح نتنياهو في ذلك، جدير ٌ حينئذ ٍ أن يُحتفل به زعيما ً خلّص شعبه من قيود الإحتلال ليعود به ثانية ً إلى ملجأ الحريّة الحقيقيّة والإستقلال والسّلام. وإذا ضيّع هذه الفرصة الحافلة بالزّخم من بين يديه سيتذكّره النّاس على أيّة حال على أنّه كان أكبر رئيس وزراء مخادع في تاريخ إسرائيل قادت طموحاته الشخصيّة العمياء ونظرته المشوّهة للمستقبل شعبه لحافة كارثة أكيدة.

في خطابه بعد الإتفاق مباشرة ً مع شاول موفاز، زعيم حزب كاديما، حدّد نتنياهو أربع قضايا مركزيّة ستركّز عليها حكومته الجديدة الموسّعة بقوله:" شاول وأنا وباقي أعضاء الإئتلاف نقول بأننا سنعمل معا ً على معالجة أربع قضايا مركزيّة هي: تمرير بديل عادل ومتساو ٍ لقانون "تال"، وتمرير ميزانيّة مسئولة وتغيير نظام الحكم وأخيرا ً: محاولة التقدّم بعمليّة سلام ٍ مسئولة". والجدير بالذّكر أنّه بالرغم من أنّ جميع القضايا الأربع المذكورة هي قضايا مهمّة ولها تشابكات وطنيّة خطيرة، غير أنّ أكثر القضايا إلحاحا ً هي عمليّة السّلام أوّلا والفجوة الإجتماعيّة التي تتّسع بشكل ٍ ينذر بالخطر بين الأغنياء والفقراء ثانيا ً.

كان ردّ فعل زعماء المعارضة على خطوة توسيع الإئتلاف الحكومي، وبشكل ٍ خاصّ يائير لبيد زعيم حزب "يش عتيد" ("المستقبل") الذي تأسّس في الآونة الأخيرة، والسيدة يخيموفيتش زعيمة حزب العمل، بنوع ٍ من التقزّز وعدم التصديق، وذلك لسبب وجيه وهو  سجلّ نتنياهو ومناوراته السياسيّة المؤذية والخادعة في الماضي. فقد انتقدت يخيموفيتش بشدّة المناورة بوصفها " تحالف الجبناء وأكثر خطوة ملتوية ومضحكة في تاريخ إسرائيل السياسي لن ينساها أحد". واستنكر لبيد الخطوة "كتحالف سياسي مثير للإشمئزاز" وتحدّى فيما بعد نتنياهو بقوله:" لقد قمت بهذه الخطوة لكي تتجنّب الإنتخابات ولكي تتمكّن من القيام بالشيء الوحيد الذي تتجنّب القيام به منذ تسميتك رئيس وزراء وهو أن تقرّر هويتك الذاتيّة". وتعكس تعليقات هؤلاء الزعماء وللأسف الإنحراف السياسي في إسرائيل الذي يستمرّ في استقطاب البلد وأدّى إلى شللها في التعامل مع قضايا إسرائيل الملحّة في الماضي.

وبدلا ً من التفكير بالكيفيّة التي قد تؤثّر فيها خطوة نتنياهو سلبا ً على طموحاتهم الشخصيّة، على هؤلاء القادة والزعماء الحزبيين أن يتحدّوا رئيس الوزراء على أن يثبت للعالم التزامه بالأجندة التي تفوّه بها، بل وعرض الدّعم والتأييد له في حالة مواصلة سيره بجديّة ورزانة على هذه الجبهات. لم يعد نتنياهو بهذه المهمّة التاريخيّة والغير مسبوقة مدينا ً أو مرتبطا ً بالأحزاب الصغيرة مثل "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان أو بحزب "شاس" الديني بزعامة إلي يشّاي (فالأوّل عارض أيّة تنازلات إقليميّة ذات أهميّة والآخر رفض التفاوض على مستقبل القدس). وبإمكان المعارضة الآن بقيادة حزب العمل أن تكشف عن نوايا نتنياهو الحقيقيّة حيث أنّ لديه الآن الأغلبيّة التي يحتاجها للتفاوض بجديّة مع الفلسطينيين ومعالجة المشاكل الإجتماعيّة التي تنذر بالخطر. ومن الضروري أن يدرك نتنياهو بأنّه في الوقت الذي يجب فيه معالجة برنامج إيران النووي بما يستحقّ من تروّ وحكمة، لن يُسمح له استخدام هذه القضيّة لإثارة المشاعر وغرس الخوف في نفوس الناس من أجل التقدّم بأجندته الشخصيّة.

الأخطار والتهديدات المحدقة التي تواجهها إسرائيل الآن هي بالدرجة الأولى الصّراع الفلسطيني الذي قد ينفجر في أيّ وقت والفجوة الإجتماعيّة التي تلتهم نسيج المجتمع الإسرائيلي من جذوره. والمهمّة الرئيسيّة للمعارضة في الوقت الحاضر هي البدء بحملة وطنيّة لحشد الرأي العام وراء هاتين القضيتين الملحّتين ومنع نتنياهو من صرف انتباه النّاس عن التحديات الحقيقيّة المنذرة بالشؤم التي تواجهها البلد لكي يرسّخ أركان قوته في التحضير للإنتخابات القادمة.

ولإظهار ايمانه بحلّ الدولتين – الذي يبقى الخيار الحيوي الوحيد للحفاظ على مستقبل إسرائيل كدولة يهوديّة – على نتنياهو أن يسقط الإدّعاء الخاطىء بأنّ التنازل عن أراض ٍ فلسطينيّة يعني المساومة على أمن إسرائيل الوطني. عليه بدلاً من ذلك أن يأتي بخطّة واقعيّة لتحقيق عمليّات تبادل أراضي يتفق عليها الطرفان لغرض الإبقاء على التجمّعات الإستيطانيّة الرئيسيّة الثلاثة  على طول حدود 1967 – التي تضمّ أكثر من ثلثي المستوطنين – وضمها لأراضي دولة إسرائيل.

لقد تركّزت احتجاجات الصيف الماضي – التي تجدّدت على ضوء الإئتلاف الجديد – على الفجوة الإجتماعيّة في المجتمع الإسرائيلي والتي من المفترض أن تُعالج في الميزانيّة القادمة. لقد التزم اتفاق الإئتلاف الجديد بالإستجابة لمطالب المحتّجين، شاملة: تعزيز التوزيع العادل لموارد الدّولة،  إقامة شبكة أمان اقتصادي واجتماعي للطبقتين الفقيرة والمتوسّطة، زيادة التنافس والحدّ من التركيز الإقتصادي، تعزيز قوانين العمل وجسر الفروق في الرعاية الإجتماعيّة.

إنّ لدى الإئتلاف الجديد الموسّع مدّة (18) شهرا ً تقريبا ً لتحقيق تقدّم جوهريّ في هاتين القضيتين الوطنيتين الملحّتين. ولإظهار صدقه وإخلاصه، يستطيع نتنياهو الشروع فورا ً بالعمل والبرهان كل يوم على أنّه يحقق تقدّما ً حقيقيّا ً لا يمكن الغاؤه أو التراجع عنه. ويجب على المعارضة وباستمرار أن تضعه موضع المساءلة هو وائتلافه وحشد الجماهير لممارسة مزيدا ً من الضغط على الحكومة لمواصلة تنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها.

وبشكل ٍ مشابه لمظاهرات العام الماضي، على المعارضة – بالتعاون مع جميع الأحزاب الصغيرة الأخرى والمنظمات التي تؤمن بالعدالة الإجتماعيّة والسّلام مع الأمن – أن تناشد أتباعها وأنصارها للخروج إلى الشوارع بمئات الآلاف والتظاهر سلميّا ً وذلك للتأكيد على مطالبهم وهي: ضرورة أن تسعى الحكومة بشدّة وراء السّلام حيث أنّ الوقت ليس في صالح إسرائيل وعليها معالجة مشاكل إسرائيل الإجتماعيّة التي تعتبر آثارها المدمّرة أشدّ وطأة ً من التهديد الإيراني. إنّ تشبّث الشعب العنيد هو القادر فقط على إجبار نتنياهو أن يكشف عن "ألوانه" الحقيقيّة،  وعدا ذلك ليس من المجدي للمعارضة الإستمرار في انتقاد نتنياهو والتعامل معه بسخرية أو ازدراء لأنّه فقط يفوقهم جميعا ً حيلة ً ودهاء ً.

تبقى قدرة المعارضة على حشد الجماهير والخروج للشوارع والإشتراك بفعاليّة في مظاهرات ٍ ضخمة الإختبار الحقيقي الوحيد الذي بإمكانه هزّ النظام والبرهان على مصداقيته. وبإمكان نتنياهو استخدام الإحتجاجات الواسعة الإنتشار كتغطية سياسيّة لتغيير المسار، وبالأخصّ فيما يتعلّق بالفلسطينيين. ولكن إذا استمرّت المعارضة في اللجوء إلى الإتهامات المضادّة والردود الكلاميّة الجوفاء وبقيت الجماهير الشعبيّة سلبيّة وغير فعّالة، سيخترق نتنياهو بسهولة صفوف هذه المعارضة المجزّأة وهذا السكوت الشعبي عن الوضع ليحقّق انتصارا ً آخرا ً في خريف العام القادم 2013. على الشعب أن يحرمه من تولّي فترة ثالثة إذا فشل في تحقيق وعوده.

بتوسيع ائتلافه هذا لفّ نتنياهو نفسه بالمحيط السياسي المثالي للوصول إلى اتفاقيّة سلام مع الفلسطينيين وجسر الفجوة الإجتماعيّة في الداخل. ومن الكيفيّة التي سيعالج بها نتنياهو هذه القضايا سيتبيّن إمّا أنّه انتهازي ماكر خلط حبّه تجاه الوطن مع انغماسه الذاتي وطموحاته الشخصيّة وقصر نظره، أو أنّه استراتيجي سياسيّ بارع لم يبدّد فرصة تاريخيّة كهذه للإستجابة لحنين شعبه نحو العدالة الإجتماعيّة والسّلام.