All Writings
يوليو 23, 2009

???????? ???????? ??????????? ????????

خلال رحلة لي في الفترة الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط، أتيحت لي الفرصة أن ألتقي بالعديد من الإسرائيليين والفلسطينيين من جميع جوانب الحياة، بما في ذلك مسئولي دولة رفيعي المستوى، مستوطنين وأعضاء لحركة السلام الآن. كما والتقيت أيضاً بأكاديميين وخبراء في استطلاع الراي وصحفيين وموظفين سابقاً في إدارات الاستخبارات العسكرية والعامة وعشرات من الناس العاديين الآخرين. وفيما تؤكد استطلاعات الرأي المتكررة بأن هناك أغلبية ( تتراوح ما بين 68 و 72 بالمائة) من الإسرائيليين والفلسطينيين يسعون لتحقيق السلام الذي يعتمد على حلّ الدولتين، نجد أنه لا يوجد وحدة بين مختلف المجموعات والفصائل التي تواصل السير قدماً بأجنداتها بصرف النظر عن إجماع الأغلبية. فما سمعت ورأيت يؤكد لي مرّة أخرى وبكل بساطة الإفتقار الشديد إلى التماسك السياسي بين المجتمعين، الإسرائيلي والفلسطيني.

تمنع في معظم الأحيان الفصائلية السياسية مقترنة بالمنافسة الشخصية الشديدة دعم الأغلبية لقائد أو حزبٍ ما. وهذا هو الحال بالنسبة لإئتلاف نتنياهو مع حزب شاس الديني، إسرائيل بيتنا وعناصر أخرى من جناح اليمين كما هو الحال أيضاً مع تأييد محمود عباس ضمن حركة فتح. ومما يثير القلق أيضاً هو أنه في الوقت الذي يستمر فيه الانفصال داخل كلّ مجتمع، ما زال هناك سوء إدراك أو فهم بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول الطموحات الوطنية لكلّ من الشعبين وكذلك المتطلبات والنوايا النهائية لكل منهما. ويبقى الكثير من العرب والإسرائيليين متشككاً بدرجة عالية وغافلا ًعن الترتيبات والمكوّنات السيكولوجية لكل منهما. ولكن بعد أن أصبح هناك أغلبيات مهمّة بين الإسرائيليين والفلسطينيين لصالح حل الدولتين مع إحلال سلام وعلاقات طبيعية بين الشعبين، لماذا إذن لا يوجد دفع وطني في أي من المخيمين للتقدّم تجاه حلّ؟ وقد يعود الجواب للأسباب التالية:

أولاً، لكلا الجانبين بصورة عامة ثقة ضعيفة بقدرة قيادة كلّ منهما للتوصل إلى سلام مع أمن وكرامة في أي وقت في القريب العاجل. ينقص الإسرائيليين والفلسطينيين قادة يتحلّون بالتصميم وبعد النظر والشجاعة. ففي إسرائيل تمنع غالباً طبيعة الحكومة الائتلافية رئيس الوزراء من الارتقاء فوق المشاحنات السياسيّة واتخاذ إجراءات جازمة نحو السلام بدون المجازفة بانهيار الحكومة. وفي الوقت الذي يمثّل فيه ائتلاف نتنياهو أغلبية في البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، فإنه لا يمثل على أية حال من الأحوال العدد الهائل من الإسرائيليين اللذين هم رهن إشارة قائد يتمكن من المحافظة على حكومة متحدة ويجلب لها السلام.

ويعاني الفلسطينيون من الناحية الأخرى من فصائلية مزمنة التي تجعل من المستحيل أن يقوم زعيم بالتنازلات اللازمة دون المخاطرة بمركزه في السلطة. فمن المعروف عن الرئيس محمود عباس بأنه يمثّل المعتدلين بالرّغم من أنّ معظم المعتدلين يعانون من مساندته بالكامل لأنه لم يتمكّن من تحقيق أيّة مكاسب جوهريّة لهم. ويعتبر ميثاق حماس الذي يدعو إلى تدمير إسرائيل هجوميّا ً وغير مقبولا ً بالنسبة لإسرائيل ولمعظم المجتمع الدولي، ولكن حركة حماس أقوى تنظيما ً وتتمتّع بتأييد شعبي في غزّة. وبدون التوافق بين الأجندات السياسيّة لهاتين الحركتين لن يكون لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكيّة شريكا ً قويّا ً يُتفاوض معه. أضف إلى ذلك، يستخدم كلا الجانبين غالبا ً هذا الإنشقاق الداخلي والإفتقار إلى الإتفاق بينهما ذريعة ً للتصلّب في المواقف.

ثانياً، يشعر الكثيرون من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين بأن مرور المزيد من الوقت قد يزيد من تحسين مواقفهما ويؤدي إلى المزيد من تنازلات الطرف الآخر. ولذا فكلّ منهما ضد "الإستعجال" في الدخول بأية إتفاقيّة. هذا مقترن بالطبع بعناصر رافضة قويّة في كلا المعسكرين. هم في إسرائيل أولئك اللذين ما زالوا يبحثون عن "إسرائيل الكبرى"، وخصوصا ً بين المستوطنين. وهناك على الجانب الفلسطيني العديد من المجموعات مثل الجهاد الإسلامي وحماس اللذين يريدون كل فلسطين، من النهر إلى البحر، شاملة الأراضي الإسرائيلية. هم يعتقدون، إن لم يستطيعوا أخذها بالقوّة، فبإمكانهم الإنتظار إذا ً واستعمال السّلاح الديمغرافي للسيطرة على الأغلبيّة اليهوديّة الحاليّة، هذا علما ً بأن فكرة الدولة الواحدة لشعبين قد أخذت تكسب بعض الزّخم بين المتطرّفين الفلسطينيين.

ثالثا، لا الحكومة الإسرائيلية ولا الفلسطينيّة حضّرت الرأي العام خلال السنوات التي مضت لقبول فكرة التعايش السلمي بين الشعبين على أساس حلّ الدولتين. ففي حين أنّ المسئولين الإسرائيليين يتحدّثون عن الإفتقار لوجود متحدّث فلسطيني مؤهّل ويشكون من إستمرار العنف ضد إسرائيل، تستمرّ إدانات الوسائل الإعلاميّة والشعبيّة لإسرائيل بهدف إثارة الرأي العام ّ ضدها، وغالبا ما تستخدم هذه الوسائل لغة سامّة تجعل إمكانيّة التعايش السلمي بعيدة جدّا ً.

رابعا ً، ينتهج كلا الجانبين عملية "ضربة بضربة" أو "خطوة بخطوة" في حين لا يريد أيّ من الطرفين أن يُري بطاقاته أوّلاً. ويبقى كلا الطرفين في صراعات داخليّة حول كيفيّة ومدى قيام كل منهما بالتكيّف مع الآخر في الوقت الذي يحتفظ فيه باليد العليا في المفاوضات. مثلا ً، يبدو ظاهريّا ً بأن الحكومة الإسرائيلية لن تدخل في حلول ٍ توافقيّة حول وحدة القدس مستقبلا ً " كعاصمة إسرائيل الأبديّة"، في حين أنّ الفلسطينيين أيضا ً لن يتنازلوا على الأرجح في موضوع حقّ العودة للآجئين. وفي الواقع قام كلا الطرفين بتعديل مواقفهما بصورة جوهريّة وتوصلا إلى أتفاقيات مبدئيّة حول هاتين القضيتين الحساستين في مفاوضات سابقة.

وأخيراً، لم يكن حتى الآن ضغط ثابتً من الخارج لدفع كلا الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، إلى تسوية خلافاتهما. فبالرغم من أنّ الولايات المتحدة قد بذلت لعدّة سنوات في الماضي بعض الجهد، غير أنّ هذا الجهد لم يكن مستمرا ً بثبات ولم يخرج القيادات المطلوبة إلى حيّز الوجود لجمع الطرفين على صنع السّلام. لقد ركزت إلى حدّ بعيد إدارتا كلينتون وبوش على الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني قبل إنتهاء فترة رئاستهما بوقت ٍ قصير. وقد فشلت الولايات المتحدة على إثبات نفسها كأكبر قوّة مؤثرة في العالم وسمحت مراراً كثيرة بالعنف المفرط أن يقوّض بشدة عمليّة السلام كما حدث خلال الآنتفاضة الثانية على مرأى من إدارة بوش بين عامي 2000 و 2006. وقد إستخدمت الدول العربيّة في كثير من الأحيان محنة الفلسطينيين لتغطية فشلها داخليّا ً، وقامت فقط في السنوات القليلة الماضية بعض الدول العربيّة بمجهود ٍ منسّق فيما بينها للدفع قدما ً بمبادرة السّلام العربيّة التي تدعو لسلام ٍ عربي-إسرائيلي شامل. وبالرغم أنّ هذه المبادرة تعتبر تاريخيّة بأبعادها وآثارها، تبقى المبادرة جامدة لأن كلّ من الطرفين غير مستعدّ أو راغب في ترجمتها إلى عمليّة حقيقيّة للسّلام.

وأخذا ً بعين اعتبار هذا الواقع المتناقض، فقد أظهر كلا الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، بأنهما وبكلّ بساطة غير قادرين على حلّ هذا النزاع بأنفسهما. ولذا يجب على إدارة الرئيس أوباما أن تتبع أجندة سياسيّة ضاغطة بالتزام ٍ لا يمكن التنازل عنه في التوصّل إلى تنازلات من جميع الأطراف لوضع الأساس لاتفاقية سلام بين الطرفين. لا تستطيع الولايات المتحدة أن تراوغ مع الإسرائيليين أو الفلسطينيين أو الدول العربيّة فيما يتعلّق بما هو ضروري لصنع سلام ٍ دائم. ولكن لكي يحلّ هذا السّلام، على إدارة الرئيس أوباما أن تؤمّن عددا ً من الشروط الأساسيّة لتجنّب ورطات الإدارات الأمريكيّة السابقة والإستفادة من المناخ السياسي المتغيّر في الشرق الأوسط، وبالأخصّ بين الدول العربيّة التي تحبّذ السلام مع إسرائيل.

إنهاء توسّع المستوطنات:
يعتبر إنهاء توسّع المستوطنات من أهمّ العناصر في تغيير ديناميكيّة المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينيّة. فالمستوطنات ترسل أكثر من أي شيء آخر رسالة واضحة مفادها أنّ ليس لدى إسرائيل أيّة نيّة في التنازل بجديّة عن الأراضي وبأن فكرة حل الدولتين فكرة ميتة. ستقوّي إسرائيل بلا شكّ موقف الرئيس محمود عبّاس إذا أوقفت التوسّع في المستوطنات بحيث يصبح عبّاس قادرا ً على المطالبة بتنازلات إسرائيليّة أخرى. ولحلّ الخلاف حول هذا الموضوع ما بين إدارة الرئيس أوباما وإسرائيل، على كلا الطرفين الإتفاق على التأجيل لفترة زمنيّة معيّنة (بدلاً من تجميد التوسّع لفترة مفتوحة) لحين التوصّل إلى حلّ للنزاع الحدودي حيث بالإمكان بعد ذلك مواصلة التوسّع في المستوطنات التي ستنضمّ إلى إسرائيل باتفاقية مع الفلسطينيين. ويجب على الحكومة الإسرائيليّة أيضا ً السيطرة على المستوطنين اللذين يقيمون حاليّا في الضفّة الغربية المحتلّة واللذين ينسب إليهم عددٌ من اعمال العنف الغير مُبرّرة ضد الفلسطينيين. وبمقابل التعاون الإسرائيلي وتأجيل التوسّع في المستوطنات يجب على إدارة الرئيس أوباما أن تطلب من السلطة الفلسطينيّة وقفاً فوريّا ً لجميع الأنشطة التحريضيّة ضد إسرائيل في وسائل الإعلام الفلسطينيّة، وبالأخصّ تلك التي تُنشر باللغة العربيّة، والتأكّد من تنفيذ هذا المطلب. ويجب أن يشمل ذلك إعادة النظر في مناهج الكتب المدرسيّة على النحو الذي شرع فيه معهد بحوث السّلام في الشرق الأوسط. أضف إلى ذلك، وبالّرغم من الإنخفاض الشديد في عدد الهجومات المسلّحة ضد إسرائيل منذ حرب غزّة الأخيرة، الاّ أنه يجب على السلطة الفلسطينيّة أن تستمرّ وبصورة معلنة في إتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمنع أعمال العنف مستقبلاً. علاوةً على ذلك، على السلطة الفلسطينيّة إطلاق حملة شعبيّة ضخمة تروّج لمزايا التعايش السلمي مع إسرائيل.

تشكيل حكومة وحدة وطنيّة فلسطينيّة:
يبقى موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنيّة فلسطينيّة قضيّة مركزيّة لإحلال سلام ٍ دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويجب على إدارة الرئيس أوباما في هذا السياق ممارسة ضغط شديد على مصر والمملكة العربيّة السعوديّة لعمل كلّ ما بوسعهما للتقدّم في موضوع حكومة الوحدة الوطنيّة ما بين حماس والسلطة الفلسطينيّة. هذا ويجب بذل كل جهد ممكن للضغط على حماس لكي تقبل مبادرة السّلام العربيّة، فمن غير المحتمل أن تتخلّى حماس ببساطة عن ميثاقها وتعترف بإسرائيل مباشرةً. ولذا، فإن قبول حماس لمبادرة السّلام العربيّة كخطوة تضامن مع الإثنتين وعشرين دولة عربيّة قد يسمح لقيادة هذه الحركة بالإحتفاظ بماء الوجه. هذا وقد يسمح أيضا ً لإسرائيل وللولايات المتحدة الأمريكيّة أن تتوصّلا إلى إتفاق ٍ غير مباشر مع حماس إذا شرعت هذه الأخيرة في النّظر بجديّة إلى مبادرة السّلام العربيّة على أنها إطار للسلام قابل للحياة. فبعد إضعاف حماس بصورة جوهريّة في الهجوم الإسرائيلي الكاسح على غزّة أواخر السنة الماضية إضافة ً إلى إستمرار إغلاق المعابر الحدوديّة وخيبات الأمل المتزايدة لسياستها عند الفلسطينيين المقيمين في غزّة والدول العربيّة الأخرى، قد تكون حماس الآن ميّالة أكثر من أيّ وقت ٍ مضى لتكوين حكومة وحدة وطنيّة. أضف إلى ذلك، يبدو أنّ قيادة حماس أكثر ميولاً الآن لمناقشة حلّ الدولتين لكي يصبح لها دوراً في العمليّة السلميّة. وفيما عدا ذلك، فإنّ الإنشقاق المتزايد بين حماس والسلطة الفلسطينيّة لن يخدم مصالح أيّ طرف ٍ في النزاع القائم وسيديم فقط إحتمال القيام بعمل ٍ عسكريّ على نطاق ٍ واسع.

تقليص التوتّر في المناطق الفلسطينيّة:
بالرغم من وجود تقدّم ملحوظ في الضفة الغربيّة وتمتّع الفلسطينيين الآن بقدر ٍ أكبر من الحريّة والإزدهار الإقتصادي النّسبي، إلاّ أنّه بإمكان إسرائيل أن تفعل الشيء الكثير لتسهيل أمور الحياة على الفلسطينيين المقيمين في الضفّة الغربيّة. يجب على إسرائيل، علاوة ً على ذلك، تقوية موقف الرئيس محمود عبّاس، إذ لا يُعقل أن تضعف إسرائيل موقفه ثمّ تلومه لكونه ضعيفا ً وغير جازما ً. على إسرائيل أن تستمرّ في إزالة العشرات من حواجز الطّرق وإطلاق سراح آلاف الأسرى والسّماح لمزيد ٍ من آلاف الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل. هذه التسهيلات يجب منحها مغلّفة ً كتنازلات للرئيس محمود عبّاس كانتصار لسياسته وكنتيجة للمفاوضات. أضف إلى ذلك، يجب على إسرائيل منح المزيد من رخص البناء للفلسطينيين المقيمين في مناطق سكنيّة مزدحمة والتي تحتاج لبناء مدارس ووحدات سكنيّة. وللعلم، فقد منحت إسرائيل ما بين عام 2000 و 2007 (أي خلال 7 أعوام) 91 رخصة بناء فقط للفلسطينيين في الضفة الغربيّة، في حين ُشيّد للمستوطنين الإسرائيليين في نفس الفترة والمنطقة 18.472 وحدة سكنيّة، الأمر الذي يغذي فقط المزيد من الحقد والكراهية. إنّ تغيير هذا الوضع الراهن سيقوّي بالدرجة الأولى موقف الرئيس محمود عبّاس في نظر الفلسطينيين العاديين وسيسمح له القيام بتنازلات هامّة لإسرائيل، خصوصا ً فيما يتعلّق بقضيّة التعديلات الحدوديّة وقضيّة اللآجئين الفلسطينيين. أضف إلى ذلك، ستعزّز هذه الجهود بلا شكّ موقف الرئيس عبّاس في مفاوضاته مع حماس لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة إذ يستطيع أن يثبت لهم بأنه المتحدّث الأكثر فعاليّة في التعامل مع إلإسرائيليين. وأخيراً، فإن التسهيلات أو التنازلات الإسرائيليّة ستساعد بشكل ٍ عام في إظهار الفرق في جودة الحياة والحريّات الشخصيّة للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربيّة وذلك لإثبات أن للإعتدال مزاياه ويستحقّ المكافأة.

ترجمة مبادرة السّلام العربيّة إلى إجراءات بناء الثقــة:
على إدارة أوباما إقناع الدول العربيّة

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE