All Writings
فبراير 9, 2010

لسوريا الأولويّة القصــــــوى

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          لقد تسبّب في الآونة الأخيرة وزير خارجيّة إسرائيل،  أفيغدور ليبرمان، بخطأ آخر فاحش لصورة إسرائيل في الخارج من خلال سلسلة من التصريحات المتطرّفة والتهديدات شديدة اللهجة الموجّهة لسوريا. فبعد الصّدع الدبلوماسي الذي حدث مع تركيا بسبب تصرّف نائب وزير الخارجيّة، داني أيالون،  سمحت إسرائيل لنفسها بتمثيل سياستها الخارجيّة بطريقة سيّئة عن طريق التصريح بإيديولوجيّات تختلف إلى حدّ كبير عن تفكير أغلبية الإسرائيليين اللذين يريدون السّلام. وبعد أن صرّحت الولايات المتحدة أخيرا ً بأنها ستعيد سفيرها إلى سوريا، على إسرائيل اتّخاذ بعض الإيماءات للتخفيف من وطأة النظرة السلبيّة التي يرمقها العالم بها والبدء في النّظر إلى جهة الشّمال لحلّ نزاعها مع سوريا.

 

          لقد كرّرت تركيا في الآونة الأخيرة رغبتها في استئناف دور وساطتها بين إسرائيل وسوريا،  وعلى إسرائيل احتضان الجهود التركيّة وإلزام نفسها باتفاقيّة سلام يتم التفاوض عليها مع سوريا، حيث سيكون لتبعيّات مثل هذه الاتفاقيّة أصداء واسعة في جميع أرجاء المنطقة،  خصوصا ً وأنّ إيران مستمرّة في تقوية روابطها مع حلفائها حزب الله وحماس. وبالرّغم من أنّ الصّدع الأخير بين تركيا وإسرائيل حول تصرّفات إسرائيل في غزّة قد سبّب توتّرا ً في العلاقات الثنائيّة بين البلدين، إلاّ أن تركيا تبقى أهم حليف استراتيجي في المنطقة وما زالت في أفضل مكانة للتوسّط بين البلدين،  فمخاوف إسرائيل حول قدرة تركيا في البقاء حياديّة في جهودها الوساطيّة لا تأخذ بعين الاعتبار التقدّم الذي استطاع الوسطاء الأتراك إحرازه في الجولة الأخيرة من المفاوضات التي انهارت مع عمليّة "الرّصاص المصبوب".

 

          لن تفلح المصالح التركيّة إلاّ إذا كانت تركيا وسيطا ً نزيها ً وعلى دراية تامّة بأنّ السّلام لن يُصنع على حساب مصالح الأمن القومي الإسرائيلي. هذا ويجب على إسرائيل أن تفهم بأن دور تركيا الإقليمي ومركزها وأهدافها الإستراتيجيّة تتغيّر،  غير أنّ هذه التغييرات لا تتناقض مع العلاقات الإستراتيجيّة الثنائية بين البلدين. بإمكان إسرائيل الاستفادة من حليف تركيّ قريب من العالم العربي. وتركيا تسعى لسلام ٍ إسرائيلي – سوري ليس من باب إحراز التبجيل أو التعظيم لنفسها بل لأنّ للسلام الإقليمي – بالنسبة لتركيا – تأثير هائل على أمنها الوطني الذاتي ونموّها الاقتصادي،

 

وسيكون لهذا السّلام أيضا ً بالتأكيد تأثيرا ً أكبر على أمن إسرائيل القومي ومصالحها الاقتصاديّة.

 

          وما ينتظر دوره خلف فوائد المفاوضات الإسرائيليّة – السوريّة المباشرة والمبنيّة على أساس الأرض مقابل السّلام هي التغييرات طويلة الأمد التي ستطرأ على روابط سوريا مع إيران وحلفائها حزب الله وحماس.  فإذا شعرت سوريا أنها على طريق استعادة مرتفعات الجولان وإقامة علاقات طبيعيّة مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، لن يكون من باب الفطنة الخارقة أن تدرك إسرائيل بأن السّلام الإسرائيلي – السوري سيغيّر جذريّا ً مصالح سوريا الإستراتيجيّة ومكانتها الجيوسياسيّة في الشرق الأوسط. هذا وسيكون لتغيّر مصالح سوريا الإستراتيجيّة تأثير مباشر على سلوك إيران وحماس وحزب الله. لقد خدمت سوريا حتى الآن بمثابة مسمار تثبيت وحلقة وصل بين هذه الأطراف الثلاثة،  فإزالة الدعم اللوجستي والسياسي السّوري الذي سيحدث تلقائيّا ً نتيجة السلام الإسرائيلي- السّوري سيضعف حماس وحزب الله بصورة جسيمة،  حيث أنّ كلا الطرفين – حماس وحزب الله – حصيلة ثانويّة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي. وفقط بإنهاء قبضتها عن الجولان ستتمكّن إسرائيل من البدء وبفعاليّة في محاربة التطرّف العربي.  سيغيّر السّلام مع سوريا مركز الثقل للسياسات السوريّة في المنطقة التي تشكّلها مصالح سوريا الإستراتيجيّة.

 

          وفي حين أنّ مخاوف إسرائيل حول برنامج إيران النووي قد لا تهدأ كليّا ً بسلام  إسرائيلي – سوري، غير أنه بالتأكيد سيجبر إيران على إعادة النّظر في إستراتيجيتها تجاه إسرائيل.  ومن باب السخرية أنّه في الوقت الذي تستمرّ فيه إسرائيل بتضخيم التهديد الإيراني النووي – وقد يكون ذلك لسبب وجيه – من ناحية،  فقد فقدت من الناحية الأخرى التركيز على كيفيّة تغيير الديناميكيّة الجيوسياسيّة في المنطقة وإضعاف تأثير إيران فيها. سيقلّص السّلام مع سوريا – تحت أية ظروف – إمكانيّة استعمال القوّة ضد إيران للتخلّص من خطرها النووي. ولن تتمكّن طهران على أية حال – وبمقتضى أي سيناريو عنف قد يُحاك بين إسرائيل وإيران – من الاعتماد على الدّعم شبه التلقائي لحماس وحزب الله لأنّ المصالح القوميّة لهاتين المنظمتين ستكون الآن على خلاف مع مصالح سوريا الإستراتيجيّة.       

 

          يجب على إسرائيل انتهاز الفرصة للدخول في مفاوضات مع سوريا ليس لأنها قادرة الآن على التفاوض من مركز القوّة فحسب،  بل لأنّ الإرادة العربيّة الجماعيّة لصنع السّلام قد أُعلنت مرارا ً عديدة حتى الآن بمضمون مبادرة السّلام العربيّة.  لا تستطيع إسرائيل أن تدّعي بأنها تسعى وراء السّلام من ناحية،  ثمّ تفشل من الناحية

 

الأخرى في انتهاز الفرصة لذلك عندما تُعرض عليها. لقد أعلن الرئيس بشّار الأسد – كما فعل والده أيضاً من قبله – بأنه قد وضع أولويّة السّلام مع إسرائيل كخيار استراتيجي. لقد عبّر الأسد مراراً وتكرارا ً عن رغبته في إبرام اتفاقيّة سلام مقابل استعادة مرتفعات الجولان وإقامة علاقة سليمة مع الولايات المتحدة.  وعلى إسرائيل أن تختار.  فهي لا تستطيع الاستمرار في محاولة تبرير الاحتلال باسم الأمن القومي في الوقت الذي يمدّ فيه العالم العربي يده للتوصّل لسلام ٍ حقيقي.  أجل،  على إسرائيل أن تختار ما بين حيازة المناطق المحتلّة والأمن الحقيقي. وما دام لسوريا مطالبات إقليميّة تجاه إسرائيل، لن تكون إسرائيل آمنة ً أبدا ً على حدودها الشماليّة.  وإذا عرضت سوريا السّلام على إسرائيل وتطبيع العلاقات معها والاستجابة لمتطلبات إسرائيل الشرعيّة في تحقيق الأمن وأصرّت إسرائيل رغم كلّ ذلك على رفضها،  فستصبح مرتفعات الجولان عبئا ً قوميّا ً على إسرائيل بدلا ً من أن تكون ركيزة ً لأمنها القومي.

 

          تزداد المعارضة الدوليّة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي يوما ً بعد يوم لأنه يُنظر لاحتلال أراض ٍ عربيّة وللمستوطنات على أنه المصدر الوحيد للنزاع ولاستمرار عدم الاستقرار  الإقليمي.  وربط الاحتلال بمصالح ومخاوف الأمن القومي الإسرائيلي أصبح يُنظر إليه على أنه مجرّد ذريعة فقط للإبقاء على الاحتلال ونهج ليس فقط  للعزل الذاتي بل أيضا نذير بتجديد العنف.  وبالفعل،  فحتّى حلفاء إسرائيل الآن لم يعد يؤمنون بالربط ما بين الاحتفاظ بالأراضي وأمن إسرائيل القومي.  وقد حان الوقت لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يضع حدّا ً لتصريحات وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان المتهورة حول سوريا وافتقاره لأية لباقة دبلوماسيّة. وكون الحكومة الإسرائيليّة مستقطبة الآن من الناحية الإيديولوجيّة لا يشكّل اعتذارا ً لهذا النوع من السلوك الذي قد ينتج عنه عنف غير مقصود لا يرغب فيه أيّ من الطرفين. وإذا كانت إسرائيل فعلا ً مركّزة على الأمن القومي، عليها التخلّي عن مرتفعات الجولان لأنّ فقط السلام الحقيقي مع علاقات ٍ طيبة هو الذي من شأنه أن يقدّم لإسرائيل أمنها المنشود.

 

          وكون أنّ سوريا اختارت طريق التفاوض بوساطة تركيّة لاستعادة مرتفعات الجولان وأنها قد تكون الآن في وضع ٍ لا يسمح لها استعادة أراضيها بالقوّة، هو وضع يجب ألاّ يُفهم من قبل إسرائيل على أنه بإمكان هذه الأخيرة الاحتفاظ  بالوضع الراهن إلى الأبد بدون عواقب وخيمة. لقد أظهرت سوريا قدرة هائلة على حرمان إسرائيل من السّلام مع لبنان والفلسطينيين وبإمكانها أن تستمر في فعل ذلك ما دامت إسرائيل تحتلّ مرتفعات الجولان. وعلى نتنياهو أن يقرّر عمّا إذا كان يريد السّلام أم لا وأي نوع ٍ من الحكومة الائتلافيّة عليه أن يشكّل لتلبية رغبة أغلبية الإسرائيليين في إنهاء الصراع.

 

ويتوقّف على نتنياهو نفسه أن يقرر نوعية الحكومة والرسالة التي يريد إرسالها للعالم. لا يمكن التهرّب من هذه المسئولية بوضع اللوم على حكومته المجزأة.

 

          إنّ لتعيين السيد روبرت فورد سفيرا ً جديدا ً للولايات المتحدة لدى سوريا قوّة دافعة لفتح فصل ٍ جديد من العلاقات الأمريكيّة السوريّة.  وحيث أنّ إدارة أوباما مهتمّة جدّا ً بدفع عمليّة السّلام الإسرائيلي – الفلسطيني إلى الأمام،  فهي مدركة تماما ً دون شكّ بأنّ المغيّر الحقيقي للّعبة في الشرق الأوسط فيما يتعلّق بإيران والعراق ولبنان والفلسطينيين هو سلام إسرائيلي – سوري.  والعلاقات المحسّنة الآن ما بين الولايات المتحدة الأمريكيّة وسوريا ستحوّل تلقائيّا ً حسابات سوريا الإستراتيجيّة حيث أنّ تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وإمكانيّة استعادة مرتفعات الجولان ستحتلّ الأولوية القوميّة فوق العلاقات التكتيكيّة الأخرى التي تربط سوريا حاليّا ً بإيران وحزب الله وحماس.

 

          ولذا على الولايات المتحدة أن تبقى مصمّمة بدون أي تردّد على مواصلة جهودها لدفع عمليّة السّلام الإسرائيلي – السّوري إلى الأمام،  وقد تجد في تركيا أفضل محاور ووسيط بين البلدين.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE