All Writings
مايو 14, 2007

من يكتــرث فعلاً للعــــــــــراق ؟

14 أيار (مايو ) 2007

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

يبدو لأول وهلة بأن المؤتمر الأخير حول العراق- المنعقد في شرم الشيخ والذي حضرته أكثر من خمسين دولة تمثل نصف سكان العالم- يؤكد على "الاهتمام الكبير الذي أظهرته العديد من الدول" حول مستقبل هذا البلد الممزق. ولكن دعونا نتكلم بصراحة ونتساءل:"من يكترث فعلاً للعراق؟" أنا شخصياً أعتقد بأن كل دولة كانت ممثلة في المؤتمر لم تحضر فقط رغبةً منها في طرح تشخيصها وعلاجها للمشكل العراقي بل لأكثر من ذلك, هو حرصها على حماية مصالحها الوطنية الذاتية في العراق. دعونا ننظر إلى أهم الدول الثمانية, تلك الدول الأكثر اهتماماً على ما يبدو بالعراق ولكن "قلقها الشديد" في الواقع هو حول استغلال وضع العراق الجريح وموارده الطبيعية.

أولاً, الولايات المتحدة الأمريكية التي وقعت في شرك ورطة كبيرة, فهي خاسرة إن تركت وخاسرة إن بقيت. وتحاول إدارة الرئيس بوش الآن بطريقة تدل على التهور واليأس أن تجد منفذاً يسمح أن تدّعي لنفسها من خلاله شيئاً من النجاح. هذا في الوقت الذي تريد فيه ضمان تدفق النفط العراقي الذي كان وما يزال العامل الأساسي في حسابات أمريكا الإستراتيجية. الكونغرس الذي تسيطر عليه أغلبية من الحزب الديمقراطي وكذلك الكثير من الأمريكيين المتفقين معهم في الرأي قد ضاقوا ذرعاً بهذه البليّة ويريدون أن تخرج أمريكا من هذه الورطة. ومن يكترث بأن الحرب قد أغرقت العراق في حرب أهلية لا ترحم وفي الوقت نفسه أطلقت العنان لقوى المتطرفين الإسلاميين الذين أخذوا على أنفسهم محاربة أمريكا والغرب حتى الموت بكل معنى الكلمة. ومن يدفع الثمن أيضاً في ذلك هم العراقيون الذين أصبحت بلادهم أرضاً لتوليد جيلاً جديداً من الإرهابيين.

أما المملكة المتحدة (بريطانيا) فهي أيضاً من يدفع الثمن على الطرف الآخر من هذه الصفقة الخاسرة. إن أمل أن تكسب بريطانيا شيئاً من غزوها المتهوّر للعراق قد اضمحلّ مع هبوط نجم طوني بلير. يريد البريطانيون الذين كما يبدو لم يتعلموا شيئاً من احتلالهم الأول للعراق بعد الحرب العالمية الأولى أن يعيدوا قواتهم العسكرية للوطن. وهم الآن – بعد أن ساهموا في خلق هذا الوضع المريع- جاهزون تماماً لترك العراق والعراقيين لمصيرهم المحتوم.

أما بالنسبة للصين، فإنّ الشرق الأوسط أكثر المناطق خصباً للتوسّع في نفوذها العالمي. إنّ عطش الصين الذي لا يرتوي للنفط والغاز لتلبية احتياجات اقتصاد يكاد يتفجّر لسرعة تمدّده يجعل من العراق وإيران منطقة حسّاسة وحرجة لإمدادات الصين الإستراتيجية بالطاقة على المدى البعيد. بالتروّي والحنكة يضعف الصينيون تدريجيّاً نفوذ أمريكا في المنطقة مستغلّين نكبة العراقيين ونتائج الحرب لصالحهم.

أما روسيا فهي بجانب الروس الذين يبحثون عن صفقات مربحة من النفط والغاز مع أية حكومة عراقية تمنحهم هذه العقود. إنّ الروس معنيون باسترداد مليارات الدولارات في عقود وقّعوها مع صدام حسين وضاعت بسبب الحرب. روسيا لن تكترث إذا كان يحكم العراق نظام ديمقراطي أم سلطوي وستتعاقد مع الشياطين ما دام هؤلاء يؤمّنون لها صفقات مربحة وفي نفس الوقت تعزّز نفوذها الإقليمي.

وبالنسبة لفرنسا، فإنّ مأساة العراقيين ليست سوى مرحلة مؤسفة للشعب العراقي المسكين. يشمت الفرنسيون بفشل إدارة بوش الذريع في العراق ولكنهم كالروس يسعون لاستعادة المليارات التي ضاعت في عقود مع نظام صدام حسين المنتهي. إنّه لشيء محزن بالنسبة لهم أن يشاهدوا العراقيين والأمريكيين يموتون يومياً. ولكن شعورهم بأنهم مبرؤون باعتراضات فرنسا على حرب العراق يغذي جيداً نفسيتهم الوطنية.

وبالنسبة لإيران, فإن العراق أكبر حظ غير متوقع. لم يكن الإيرانيون يحلمون في عزّ أحلامهم بأنّ العراق, عدوّهم الجبار المتغطرس, يقدّم لهم ببساطة على صينيّة من فضة وعن طريق من؟ عن طريق عدوّهم الذي لا يلين عن موقفه, وهو الولايات المتحدة الأمريكية. والآن ترى الإيرانيين, بالرغم أنّهم مرتبطون بعلاقات تجارية قوية مع العراق, غير أنهم وللدفع بأجندتهم السياسية إلى الأمام يسلّحون أيضاً المليشيات الشيعيّة العراقية التي لا تتردد في قتل السنة العراقيين في الوقت الذي تدّعي فيه أنها مخلّصة العراق. والهدف بالنسبة لطهران هو بذل كل مقدار ممكن من نفوذها المتزايد على الشئون الداخلية العراقية لضمان طموحاتها الإستراتيجية بعيدة المدى.

وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية فإنّها تريد – بسبب ارتعابها من نفوذ إيران المتنامي في المنطقة وتصاعد الصراع الإقليمي بين السّنة والشيعة- القضاء على المدّ الشيعي في المنطقة بأي ثمن.لا يريد السعوديون أن يتورطوا في

حالة تصاعد الحرب الأهلية لآفاق تتجاوز حدود العراق. إنهم يسعون خوفاً منهم على كيانهم ووجودهم لتقوية العراقيين السنة ليقللوا من خطر مذبحة طائفية شاملة تقترفها الشيعة، وهذه من وجهة نظرهم أكثر احتمالاً للحدوث عندما يغادر الأمريكيون العراق.

أمّا بالنسبة لسوريا, فإن الحرب في العراق قد زادت فقط من مشاكلها الاقتصادية. فبالرغم من أنّه لم يكن هناك مودّة ما بين صدام حسين ونظام الأسد, غير أنّه كان هناك تجارة رائجة ما بين حدود الدولتين. وقد تستفيد سوريا ثانية من عراق مستقرّ وعلى الأقل تعيد ما يزيد عن مليون عراقي لاجئاً لديها إلى ديارهم. ولكن على أية حال ليس هناك حوافز لسوريا أن تقوم بدور إيجابي فعّال ما دامت الولايات المتحدة تحتل العراق وتهدّد بتغيير النظام في دمشق.

إذاً من يكترث حقيقة بما يجري في العراق؟ يبدو أن الشعب العراقي وحده وحكومته هما القادرين فقط على إنقاذ العراق. وللتوصل لذلك, على العراقيين أن يدركوا أوّلاً أنّه لا يوجد حل عسكري ولذا يجب تركيز جميع الجهود على عملية المصالحة, مع اتخاذ الإجراءات التالية: (1) تمرير قانون نفط يقوم بتوزيع عائدات النفط بالتساوي بين أبناء الشعب العراقي. (2) السماح لأغلبية أعضاء حزب البعث سابقاً بالانضمام للحكومة, الأمر الذي سيخفف من وطأة الأزمة المالية الخانقة التي يعاني منها ملايين العراقيين وبالتالي ستخفض بصورة جذرية من النزاع الطائفي، (3) فتح حوار سياسي مع الثوار بهدف تقوية وتخويل السنة لإنشاء كيان خاص بهم ضمن النظام الاتحادي, (4) منح عفو عام لأولئك الذين تورطوا في أعمال عنف غير شرعية, (5) إطلاق سراح جميع الأسرى والمساجين ما عدا الإرهابيين المتعصبين و (6) فتح صفوف قوات الأمن الداخلي والقوات العسكرية لمن يرغب في التجنيد من السنيّين.

ستغادر القوات العسكرية الأمريكية العراق عاجلاً أم آجلاً. والأمر يعتمد على العراقيين أنفسهم في البحث عن طريقة للتعايش السلمي فيما بينهم والشروع في بناء حياتهم ووطنهم من جديد. والحقيقة المرّة هي أن لا أحد حقاً سيقوم بذلك سواهم.

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE