البلقان: الوليمة التي تغذي نهم روسيا وتركيا
بقلم: أ.د. ألون بن مئير وأربانا إكسهارا
يخلق التوتر السياسي بين كوسوفو وصربيا بيئة مثالية حيث يمكن لتركيا وروسيا إغراء البلدين للإنضمام إلى مناطق نفوذهما. يحاول مبعوثو الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي رفيعو المستوى حل النزاع طويل الأمد وحث صربيا وكوسوفو على تطبيع العلاقات في حين أصبح الأمر في الواقع أكثر توتراً على نحو متزايد. ورفض صربيا الإعتراف بحدود كوسوفو ومنعها من الإنضمام إلى المنظمات الدولية مثل الإنتربول واليونسكو ونكث اتفاقية حرية الحركة المبرمة في عام 2011 دفعت كوسوفو إلى اتخاذ إجراء مباشر ضد صربيا بفرض التعريفة الجمركية 100 % على البضائع القادمة من صربيا.
والتقارير الكاذبة التي مفادها بأن الولايات المتحدة قد هددت بسحب قواتها من كوسوفو إذا لم يتم تعليق الضريبة سرعان ما روّجت لها آلات الدعاية الروسية والتركية في محاولة للاستفادة الكاملة من الخلاف المستمر بين الدولتين. صربيا وكوسوفو عرضة لأخبار مزورة عبر الإنترنت (أون لاين) فبركتها روسيا وتركيا، ولا يزال القادة الفاسدون في البلقان يقعون في شراكها.
كما تستخدم النخب السياسية التي تتلاعب بها روسيا وتركيا بسهولة معلومات مضللة من أجل التأثير على الجمهور. قد تقوم كل من روسيا وتركيا بتسريع حملتهما التضليلية مع اقتراب الذكرى العشرين لقيام حلف الشمال الإطلسي (الناتو) بقصف يوغسلافيا بالطيران. ويدفع أهل كوسوفو والصرب ثمن الشجار السياسي الذي يبدو أنه لا يفيد أي من البلدين لأنهما أصبحا الوليمة الدسمة التي تغذي نهم روسيا وتركيا للسيطرة على البلقان.
يتجلى الخلاف بين البلدين من خلال حياة مواطني الدولتين. يقول فيلسون كاكولي من كوسوفو:”عندما أسافر عبر صربيا أُجبر عند الحدود لإزالة لوحات سيارتي ودفع رسم بخمسة يورو مقابل عبور صربيا ، ودفع رسم إستخدام الطرق السريعة. وهم لا يقبلون اليورو منا ،بل فقط الدنانيرالصربية، هذا في حين أن الصربيين الذين يدخلون كوسوفو لا يواجهون هذه الصعوبات”.وهو ، مع معظم أهل كوسوفا ، يؤيدون بقوة رئيس وزرائهم لرفضه إلغاء الضرائب تحت أي ظرف من الظروف.
في هذه الأثناء يعمل بوتين وأردوغان بجدّ لتعزيز علاقاتهما مع دول البلقان وهما مستمران في الإستثمار في المشاريع الوطنية الكبرى المحسوبة استراتيجياً لتحقيق أكبر تأثير اقتصادي وسياسي في جميع أنحاء المنطقة.
إرتفعت التجارة بين تركيا ودول البلقان الغربية بشكل جذري من 430 مليون دولار في عام 2002 إلى 3 مليارات دولار في عام 2016. وحوالي ثلث هذه التجارة كانت مع صربيا ، بينما في كوسوفو تستثمر تركيا باستمرار في أهم القطاعات، هذا في حين تقوم بخصخصة الأصول الاستراتيجية لكوسوفو. وقامت وكالة تنمية الدولة التركية TIKA بترميم مئات المعالم التاريخية في كوسوفو وتمويل مشاريع محلية ونظمت فعاليات كبيرة تهدف إلى تعزيز الروابط مع تركيا.
قال إيزين موزبغ ، السكرتير العام لغرفة التجارة التركية في كوسوفو لشبكة التقارير الإستقصائية في البلقان:”إنّ إجمالي الإستثمارات من الشركات التركية في كوسوفو خلال الفترة 2007-2017 وصل إلى 382.1 مليون يورو” ،. بالإضافة إلى ذلك ،أعطـت وكالة الطاقة الصربية موافقتها النهائية على إنشاء فرع من خط أنابيب الغاز التركي الذي سينقل الغاز الروسي الطبيعي إلى تركيا وجنوب أوروبا.
تتمتع روسيا بمصالح جغرافية استراتيجية في غرب البلقان وكذلك في دول البحر الأبيض المتوسط. ففي دول البلقان تعتمد مصلحة روسيا على اعتبارين. أولاً ، تتمتع منطقة غرب البلقان بأهمية استراتيجية كطريق لعبور الغاز الروسي ؛ ثانيا ، تريد موسكو الحفاظ على الجذور السلافية والديانة الأرثوذكسية في المنطقة إلى جانب القيم الثقافية والتقليدية الثنائية، خاصة وأن العلاقة بين الإتحاد الأوروبي وروسيا متوترة وليس من المرجح أن تتحسن في أي وقت قريب.
ووفقًا لموقع “إر.تي”RT الروسي ، فإن صندوق الثروة السيادية والشركاء في البلاد يخططون لزيادة الإستثمار في صربيا ، ومن المحتمل أن يضيفوا 500 مليون دولار إلى استثماراتهم الحالية. وقد اجتذبت صربيا بالفعل استثمارات روسية في البلقان تفوق – حسب إحصاءات مختلفة – مبلغ 4 مليارات دولار. ويقول لافديم حميدي ، رئيس تحرير جريدة زري اليومية في كوسوفو والذي قام مؤخرًا بدراسة الإستثمارات الرأسمالية الروسية والتركية في البلقان:”لا يزال قطاع الطاقة يمثل أولوية للإستثمارات الروسية. وتهدف موسكو إلى جعل دول البلقان تعتمد على الغاز الروسي ، كما هو الحال في أوروبا “.
علاوة على ذلك ، تقدم دول غرب البلقان فرصًا منخفضة التكلفة لروسيا للأخذ بمجموعة من التدابير السياسية والإقتصادية لتقويض مصالح الإتحاد الأوروبي الجيوإستراتيجية. ففي عام 2016 ، على سبيل المثال ، حاولت روسيا تنظيم انقلاب في الجبل الأسود يهدف إلى الإطاحة بـرئيس الوزراء ميلو ديوكانوفيتش من أجل منع بلاده من الإنضمام إلى حلف الناتو. وفي العام الماضي حاول بوتين وقف تسوية الصراع بين اليونان ومقدونيا،هذا علما ً منه بأن الحل سيؤدي إلى عضوية هذه الأخيرة في حلف شمال الأطلسي.
وفي الوقت الذي تحاول فيه صربيا موازنة علاقاتها الثنائية بين روسيا والإتحاد الأوروبي ، فإن البلدان الأخرى مثل كوسوفو ومقدونيا أكثر شفافية في السعي إلى التحول إلى أوروبا. ولروسيا كل نية لبذر الخلاف لإبقاء دول البلقان خارج إطار أن تصبح أعضاء في الإتحاد الأوروبي.
وصرح أرتان غروبي ، وهو برلماني في شمال مقدونيا يمثل الإتحاد الديمقراطي للاندماج (BDI) بصفته أكبر حزب سياسي ألباني ، أن شمال مقدونيا انتصر في المعركة الجيوسياسية والجيواستراتيجية بين المصالح الغربية والشرقية بقوله:. “وأخيرا ، مع توقيع البروتوكول بالنسبة لعضوية الناتو قد يشعر مواطنو هذا البلد أنهم واثقون من أنهم ينتمون إلى القيم الأوروبية-الأمريكية وأن جوانب التأثيرات الشرقية فشلت “.
ويقول عصمت كريزيو ، المدير التنفيذي لمعهد كوسوفو الديمقراطي (KDI) ، إن منطقة البلقان – باستثناء صربيا المعروفة بولائها لروسيا – ملتزمة على الرغم من التحديات في السياسة اليومية بالسير جنبا إلى جنب مع سياسات وقيم الديمقراطية الغربية بقيادة الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي. ويقول كريزيو: “سيرتكب صانعو السياسة في كوسوفو أخطاء جغرافية -استراتيجية لتحويل جمهورية كوسوفو إلى “ثقب أسود” ، سيوسّع النفوذ الروسي والتركي”.
لا تُخفى أنشطة ونوايا روسيا وتركيا في البلقان. يتخذ كلا البلدين خطوات سياسية لإبعاد البلقان عن الغرب ، سواء لأسباب إقتصادية أو إستراتيجية أو هيمنة. إنهم لا يكلون وسوف يبذلون كل ما في وسعهم لتوطيد أنفسهم في هذه البلدان ، وإن كان ذلك مجرد مسألة وقت لتتصادم فيها مصالح روسيا وتركيا في البلقان.
ويعتقد لولزيم بيتشي، سفير كوسوفو السابق لدى السويد والمدير التنفيذي لمعهد كوسوفو لأبحاث السياسة والتنمية (KIPRED) أن التوتر الحالي في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوسوفو يناسب روسيا أكثر ، لأنه يخدم مصالحها الإستراتيجية ، “وخاصة” يقول بيتشي: “في غياب موقف واضح المعالم من الدول الغربية الرئيسية تجاه العلاقات بين كوسوفو وصربيا”.
وبالنظر إلى المصالح الإستراتيجية للإتحاد الأوروبي وتوجه دول البلقان بشكل ٍ عام للغرب، ينبغي على الإتحاد الأوروبي أن يصر على إجراء إصلاحات ديمقراطية والإلتزام بحقوق الإنسان وبالمقابل قيام الإتحاد الأوروبي بالتسريع من جهوده لدعم الظروف الإجتماعية والإقتصادية في هذه الدول وتسريع عملية العضوية.
إنّ هذا سيعطي دول البلقان الثقة بأن عضويتها المحتملة حقيقية من خلال الإجراءات العملية للإتحاد الأوروبي والمشاركة السياسية المستمرة التي ستمنح دول البلقان حوافز تقاوم إستيعاب طموح تركيا أو روسيا لها لإغوائها للدوران في مدارها.