قبل فوات الأوان
كان دائما ً إنفجار الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بعنف مرّة أخرى مسألة وقت، الأمر الذي يثبت فقط أنه، خلافاً للآراء السائدة بين العديد من الإسرائيليين، لا تستطيع أية حكومة إسرائيلية إدارة الإحتلال إلى أجل غير مسمى. وتشير أعمال تفجّر العنف الآن بالصورة التي كانت عليها في الماضي إلى الفشل الذريع لسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
أنا لا أدّعي للحظة أن كلّ الفلسطينيين مشاهدين أبرياء، فالقادة الفلسطينيون، بما في ذلك الرئيس الفلسطيني محمودعباس، لهم حصتهم في إثارة الإضطرابات. ولكن هؤلاء الاسرائيليين الذين يدعون حكومتهم إلى استخدام تدابير أكثر صرامة لمنع مزيد من التصعيد ينبغي أن يجيبوا على سؤال بسيط: ماذا سيحدث في اليوم الذي ستنتهي فيه حملة إسرائيلية ناجحة، وأين سيؤدي كلّ هذا؟
يبدو أنهم جميعاً يتناسون أو يتجاهلون ببساطة وأريحيّة أن الخطأ في الأساس هنا هو استمرار الإحتلال، الذي لا يمكن بحكم طبيعته الخاصّة أن يستمر دون دفع عدد أكبر متزايد من الضحايا على كلا الجانبين.
طعن وقتل إسرائيليين أبرياء هو أمر يستحقّ أشدّ عبارات الإستنكار والشجب ويجب تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة إذا بقوا على قيد الحياة في أعقاب أفعالهم الشنيعة. والحكومة الإسرائيلية تتحمل المسؤولية لاتخاذ إجراءات أمنية لمنع مثل هذه الأعمال الإجرامية.
يثير استخدام القوة المفرطة، على أية حال، فقط مقاومة عنيفة أكثرشدّة ويغذّي التطرف الفلسطيني الموجود أصلاً والذي ليس من المرجح أن يتراجع مهما كانت الإجراءات الإسرائيليّة المضادة عنيفة ولا ترحم.
وبصرف النظر عمّا إذا كان التحريض على العنف يؤول إلى اتهام السلطة الفلسطينيّة الغير مبرّر لإسرائيل بأنها تعمل على تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف / جبل الهيكل أم لا، فهذا ليس لبّ المشكلة، حتّى لو كان هذا صحيحا ً.
حتّى وإن كان الصراع على جبل الهيكل لم يتسبّب في الإنتفاضة الحاليّة، فإن من شأن أي حادث آخر أن يفعل ذلك لأن الأوضاع على الأرض كانت مهيأة لمثل هذه الإنتفاضة العنيفة.
يعيش عدد كبير من الشبان الفلسطينيين في فقر مدقع، هم قانطون وليس لديهم أمل في المستقبل. انهم يشعرون بأنهم مهمشون بالكامل من قبل حكومتهم من جهة، ومخنوقون من قبل الإحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى. وأن القدس في الواقع هي التي كانت نقطة الوميض، هو أمر ٌيبعث على القلق، خاصة أن المدينة تحتوي على أكبر عدد من الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعيشون جنباً إلى جنب. فإذا كانت القدس عاجزة عن تقديم نموذجاً مصغراً للتعايش السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لن يكون هناك سلام أبدا ًبين الجانبين.
وعندما يتعلق الأمر باستخدام القوة، فإن إسرائيل بلا شكّ سوف تسيطر عاجلاً لا آجلاً ، الأمر الذي قد يؤدي إلى تهدئة الوضع، ولكن بشكل مؤقت فقط. إنّ تحول السكان الإسرائيليين بشكل ٍ عام إلى يمين الوسط والقوة الهائلة التي تملكها وتستخدمها حركة الاستيطان تجعل الأمور أسوأ بكثير.
سيستمرّ المتطرفون على كلا الجانبين في مواصلة استفزاز بعضهم البعض، الأمر الذي سيمهد الطريق فقط للمواجهات الدامية القادمة إذا بقي الوضع السياسي الراهن والظروف على الأرض كما هي دون تغيير.
إسرائيل، لا الفلسطينيون، ستلعق جراحها في نهاية المطاف ، لأنه بغض النظر عن عدد القتلى الفلسطينيين ومدى الدمار الذي سيعانون منه، هم يعتبرون ذلك تضحية صغيرة يقدمونها بسعادة في مسيرتهم نحو اقامة دولتهم الفلسطينية.
والحقيقة هي أن حفنة ممّن يحملون سكاكين من الفلسطينيين يمكن أن يسببوا مثل هذا الدمار في صفوف الإسرائيليين، يسلبونهم سلامتهم الشخصية، ويجعلونهم عرضة للمرض أو الضعف من الناحية النفسية.
وفي الوقت نفسه زادت صورة إسرائيل تشوّها ً هي أيضاً حيث أنّ الأصدقاء والأعداء على حد سواء ينظرون الآن لإسرائيل، وليس للفلسطينيين، على أنها المتّهم الرئيسي في هذه الموجة الجديدة من العنف. فالإحتلال المستمر والتوسع في المستوطنات يوفران اللهب المستمر، ولا يحتاج سوى القليل من الوقود لجعله نارا مستعرة تترك الدمار الرهيب في أعقابها.
وهؤلاء المتطرفون في صفوف الإسرائيليين الذين يعتقدون حقا أن استخدام القوة هو السبيل الوحيد للتعامل مع العنف الفلسطيني يعيشون في إنكار الذات، وحالة الرضا بين الإسرائيليين بشكل عام لا تريد أن تعرف الحقيقة، وفضلت أن تعيش حياة الراحة الكاذبة التي توفرها اللآمبالاة لهم.
وعلاوة على ذلك، لا توجد وسيلة لأخذ هذه “الإنتفاضة” الفلسطينية خارج السياق الإقليمي. الربيع العربي والإضطرابات الإقليمية الناتجة عن ذلك تذكّر كلّ فلسطيني أن القتال والموت من أجل قضية هو أفضل من العيش حياة العبودية واليأس.
الحكمة تقتضي أن يعيد نتنياهو وائتلافه اليميني التفكير في موقفهما ووضع استراتيجية طويلة الأجل لا تقتصر على وقف اراقة الدماء الحالية فحسب، بل تمنع حلقة مفرغة من العنف عن طريق تغيير الوضع الراهن.
قد يعتقد بعض الإسرائيليين والفلسطينيين بأن الوقت في صالحهم. هم مخطئون. الوقت يعمل على جانب أولئك الذين يعرفون كيفية اغتنام هذه اللحظة ويلتزمون بإيجاد حلول للمشاكل المستوطنة، بدلاً من الإنتظار والتزوّد بالأمل الكاذب أنّ بإمكانهم ركوب موجة في عالم المجهول وتحسين وضعهم مع مرور الوقت.
يجب على كل ذكي إسرائيلي وفلسطيني، وهناك الكثيرون منهم، التحدث بصوت عال وواضح بأنه لن يكون هناك رابحين في هذا الصراع ، بل فقط خاسرين.
ستتجاوزالخسائر السيطرة الماديّة والإقليمية، أو السيطرة البدنيّة، فهي ستلحق ضررا أكثر حدة بكثير:ألا وهو فقدان المبدأ الأخلاقي الذي يحرّر الفرد من مسؤولية القيام بما هو صحيح وحق. إنها لعنة مروّعة لأنها ذاتيّة الحركة وتسمح أكثر من أي وقت مضى بالقتل والتدمير دون أي شعور بالندم.
هذه الإتهامات اللاذعة المتبادلة والإتهامات المضادة التي يطلقها القادة الإسرائيليون والفلسطينيون لا تفعل شيئاً سوى تحرض أكثر من أي وقت مضى على العنف. فإذا أراد نتنياهو وعباس حقاً وضع حد لسفك الدماء، يجب أن يناشدا الرأي العام في بلدانهم، ويُفضّل معاً، ويصرّحان بشكل لا لبس فيه أنهما على حد سواء عازمان على وضع حدّ للعنف.
والسؤال هو، هل لديهم الشجاعة والرؤية والقناعة، أو الإرادة في القيام بما يجب القيام به، فلا يمكن لأي من الطرفين أخذ كلّ ما يريد أو مسح الطرف الآخر عن الوجود.
إسرائيل لديها كلّ الحق في الوجود كدولة يهودية ديمقراطية ويجب حماية هذا بكلّ ما أوتيها من قوّة. ومع ذلك، ونظرا ً لأنّ إسرائيل هي حتى الآن الطرف الأقوى، ينبغي عليها أن تستخدم هذه القوة لتغيير الواقع على الأرض، لأن بقاءها كدولة يهودية وديمقراطية حقيقية يعتمد على إنشاء دولة فلسطينية.
وبالنظر إلى التجارب السابقة مع نتنياهو وعباس، أنا أشك أن أي منهما يمكن أن يرقى إلى مستوى الحدث من تلقاء أنفسهما. ولكن ليصبح لزيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المنطقة أيّ تأثير إيجابي، ينبغي على عباس أن يقبل دعوة نتنياهو للإجتماع به خلال زيارة كيري. ويجب أن يقطع الإثنان وعدا ً على أنفسهما بأن الوضع السابق سوف يتغير وأنهما معا سوف يرسمان طريقاً جديداً للسلام قبل فوات الأوان.