All Writings
يونيو 13, 2016

بيرني ساندرز والمبادرة الفرنسيّة

يجب على الإدارة الأمريكية المقبلة في أعقاب الإنتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 أن تعتمد سياسة جديدة ومتوازنة وواقعية تجاه إسرائيل والفلسطينيين لوضع حدّ للنزاع بينهما في إطار سلام عربي إسرائيلي شامل على أساس مبادرة السلام العربية. وخلال حملته الإنتخابيّة التمهيدية، كان فقط للسيناتور بيرني ساندرز موقفاً بشأن هذا النزاع الطويل والمضني إتّسم بأنه موقف جديد ومتوازن ومرحبٌ به، لا سيما في ضوء زيادة صعوبة وتعقيد هذا الصراع وآثاره الخطيرة، ليس فقط على إسرائيل والفلسطينيين فحسب، ولكن أيضاً على مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية في الشرق الأوسط.

يترتّب على استمرار الصراع أيضا عواقب مباشرة على أمن الإتحاد الأوروبي، وعلى وجه التحديد لأنه يغذي التطرف في المنطقة، الأمر الذي يعاني منه الإتحاد الأوروبي كثيرا. وفي هذا الصدد تأتي المبادرة الفرنسية لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في الوقت المناسب، وينبغي متابعتها على الرغم من عدم وجود إجماع أولي حول الآراء في اجتماع عقد مؤخرا في باريس بين الأوروبيين والأمريكيين ووزراء الخارجية العرب بشأن عقد مؤتمر دولي في نهاية العام لمعالجة الصراع بشكل جدي.

وخلال حملته الأولية بيّن ساندرز موقفه بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائلا ً: “لقد قرأت خطاب وزيرة الخارجية كلينتون أمام منظمة “الآيباك” (اللجنة الأمريكية – الإسرائيلية للشئون العامة) ولم أسمع في الواقع أي نقاش حول احتياجات الشعب الفلسطيني … بالطبع لإسرائيل الحقّ في الدّفاع عن نفسها ، ولكن على المدى البعيد لن يكون هناك أبدا سلام في تلك المنطقة، ما لم تلعب الولايات المتحدة … دوراً منصفا في محاولة لجمع الناس معا والإعتراف بالمشاكل الخطيرة التي يعاني منها أبناء الشعب الفلسطيني … سيأتي وقت نقول فيه – إذا قمنا نحن بتحقيق العدالة والسلام – بأن نتنياهو لم يكن دائما ً على حق “.

ما هو مثير للإعجاب حول موقف ساندرز هذا ليس أنّه جديد، بل لأنّ قائله مرشح رئاسي مهمّ. وعلى الرغم من انه فشل في الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي، إلاّ أنه أصبح قوة سياسية رئيسية والمرشح المفترض، ويجب على هيلاري كلينتون أن تأخذ بعين الإعتبار بجدية موقفه من هذه القضية الحساسة.

يتهم الكثير من اليهود الإسرائيليين والأمريكيين بسخرية السيناتور ساندرز على أنه اعتذاري، يهوديّ يكره نفسه وعلى استعداد للرجوع إلى الوراء فقط لإثبات أنه منصف ، هذا في حين أن أنه يقوّض، من وجهة نظرهم، إعتبارات الأمن القومي الإسرائيلي.

ولكنني أرى على العكس من ذلك بأن ساندرز قد اتخذ هذا الموقف المنصف والغير متحيّز على وجه التحديد لأنه ملتزم بأمن إسرائيل وخيرها ورفاهيتها؛ ويدرك تماما أن الوقت ضد إسرائيل، وأولئك الذين يهتمون حقا بمستقبل إسرائيل يجب أن يتكلّموا.

يدرك ساندرز أن إسرائيل ليس لها مستقبل كدولة يهودية وديمقراطية وآمنة مالم تعترف بحق الفلسطينيين في دولة خاصة بهم و”معاملة الشعب الفلسطيني باحترام وكرامة”.

يستغلّ في الواقع العديد من السياسيين الأميركيين – الذين يدعمون سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة – إسرائيل لمصلحتهم الخاصة. إنهم يريدون ليس فقط سحب أكبر عدد ممكن من أصوات الجالية اليهودية ومساهماتها المالية، ولكن أيضا ًعشرات الملايين من أصوات الدائرة الإنجيلية بالغة الأهمية التي يعتبر دعمها لإسرائيل، لأسباب دينية، أمرٌ لا يتزعزع.

وبسبب سياستها التقليدية أحاديّة الجانب، أصبحت الولايات المتحدة هي الممكّن لإدمان إسرائيل على الإحتلال وبناء المستوطنات من خلال السماح للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بمواصلة انتهاج سياسة مدمرة من التوسع، على الرغم من أن هذه السياسة كانت وما زالت مدمّرة لإسرائيل.

ونتيجة لذلك، فقد سمح قبول الولايات المتحدة الغير طوعي لإسرائيل بتحدي المجتمع الدولي بدون عقاب ومواصلة تعزيز عزم إسرائيل على عدم تقديم أي تنازل كبير وجعل السلام امرا بعيد المنال. ومن المفارقات أنه بدلا من حماية الأمن القومي لإسرائيل، عرّضت الولايات المتحدة إسرائيل عن غير قصد لتهديدات وأعمال عنف مستمرة.

وحقيقة أن الفلسطينيين والمجتمع الدولي قد فشلوا في إجبار إسرائيل على تغيير الإتجاه لا تعني أن الإسرائيليين يفوزون. فإسرائيل ، في الواقع، تحفر فقط نفسها في حفرة أعمق من أي وقت مضى بحيث ستكون غير قادرة على التسلّق منها سالمة ً.

هذا ما يريد ساندرز والمبادرة الفرنسية تجنّبه، حيث لا يستطيع أحد أن ينهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بالتمنّي. فالتدخل المباشر من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يبقى أمرا ً ضروريّا ً لتغيير ديناميكية الصراع، شريطة أن تؤخذ العبر بدقّة من إخفاقات الماضي.

وبالنظر إلى العداء الشديد والكراهية وانعدام الثقة بين إسرائيل والفلسطينيين، لن يؤدي استئناف المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة إلى أية نتيجة طالما أنّ لا أحد من الطرفين قادر ٌ على تقديم تنازلات كبيرة تكون ضروريّة للتوصل الى اتفاق من دون تأييد جماهيري كامل.

لهذه الأسباب، فإن المبادرة الفرنسية، بدعم من الإدارة الأمريكية القادمة، يجب أن تدعم عملية المصالحة بين اسرائيل والفلسطينيين قبل المفاوضات الرسمية.

ورغم أن الإجتماع المنعقد في 3 يونيو / حزيران الجاري في باريس ترك احتمال عقد مؤتمر دولي لإحياء عملية السلام الإسرائيلية-الفلسطينية في وقت لاحق من هذا العام غامضا إلى حد ما، فقد اتفق المشاركون على أية حال على بيان مشترك إيجابي.

يدعو البيان إلى “إنهاء كامل للإحتلال الإسرائيلي”، الأمر الذي يمثل تحولا هاما في موقف مسبق للولايات المتحدة، وأن “حلّ الدولتين عن طريق التفاوض هو السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم، مع دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن “. وينص كذلك على أن الوضع الراهن غير قابل للإستمرار وأنّ” الأفعال على أرض الواقع، ولا سيما استمرار أعمال العنف والنشاط الاستيطاني المستمر، تعرّض بشكل ٍ جسيم آفاق وإمكانيّات حل الدولتين للخطر “.

ولذا، ينبغي على الولايات المتحدة، بالتعاون مع فرنسا والإتحاد الأوروبي، أن تضع آلية من شأنها أن تخلق عملية مصالحة لتعزيز فرص السلام. وتحقيقا لهذه الغاية ينبغي تشكيل لجنة مصالحة.

ويجب أن تتكون هذه اللجنة من أفراد ليس لهم صفة سياسيّة ويتمتّعون باحترام كبير في المجتمع لنزاهتهم ولا يتقلّدون أي منصب رسمي في حكومتهم. يجب أن يكون هؤلاء الأفراد ممثلين غير متحيزين، ماهرين في مهنتهم، وملتزمين التزاما ً عميقا وصادقا ً بالسلام بين إسرائيل والفلسطينيين – هذا إلى جانب أنهم لا يسعون وراء أية مكافأة أو تعويض – أي أفراد مكرسين أنفسهم للعمل الإنساني.

على هذا النحو، فإن مواهب وإبداع هذه اللجنة مجتمعة ً ستكون غير مسبوقة، وقدرتهم على الإقناع ستكون هائلة، ونظرتهم غير المتحيزة ستجعلهم قوة رئيسية في الدعوة إلى عملية المصالحة. بالإضافة إلى ذلك، يكون المستشار العامّ للجنة شخصيتان في منتهى الإنفتاح والنزاهة، أحدهما إسرائيلي والآخر فلسطيني، ويكونا ملتزمين تماما بالسلام ويتمتعان بمعرفة عميقة بالشؤون الداخلية لمجتمعاتهم.

وينبغي أن تشمل عملية المصالحة التي ستقوم بها اللجنة العشرات من التفاعلات وعمليات التواصل من شعب لشعب والتي من شأنها أن تبدأ في تخفيف بعض انعدام الثقة بين الجانبين، وتمهّد الطريق لمفاوضات جوهرية خلال فترة تتراوح بين 18 و 24 شهرا.

وفي هذا الصدد، ينبغي على السيناتور ساندرز أن يصرّ على أن يعكس برنامج الحزب الديمقراطي هذا النهج الجديد، وإذا أصبحت هيلاري كلينتون الرئيس المقبل للولايات المتحدة الأمريكيّة، يجب عليها إلزام نفسها باتباع مثل هذا النهج.

وفي نفس الوقت، وكما ذكرت عدة مرات في الماضي، يجب أن توفّر مبادرة السلام العربية مظلة شاملة يتم بموجبها التفاوض على السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين (على أساس حل الدولتين) في سياق سلام عربي – إسرائيلي شامل، الذي قد يدعمه تماما ً غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين.

ومن خلال بيان ضرورة أن تلعب الولايات المتحدة دورا منصفا وغير منحازا ً لإيجاد حلّ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فقد قدّم ساندرز نموذجا جديدا في غاية الأهمية يجب على الإدارة المقبلة أن تتبنّاه. وبالتعاون مع المبادرة الفرنسية بإلإمكان خلق إمكانيّة أفضل بكثير من ذي قبل لوضع حدّ لصراع ٍ مضن ٍ قابل في أي وقت ٍ للإنفجاردام حتّى الآن سبعة عقود من الزمن.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE