All Writings
أبريل 9, 2018

كوسوفو وأجندة أردوغان الإسلاميّة الخطرة

بقلم: أ.د. ألون بن مئير
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
و أربانا إكسهارا
كاتبة سلسلة من التقارير الإستقصائية حول المتطرفين الدينيين وأجندة تركيا الإسلامية العاملة في بلدان البلقان. لقد فازت بالعديد من الجوائز عن تقاريرها ومنحت من وزارة الخارجية الأمريكية عام 2015 الجائزة العالمية للمرأة الشجاعة

في كلّ مرّة تُذكر كوسوفو يتم تذكيرنا بالـ التسعينيات من القرن الماضي عندما قدمت أوروبا والولايات المتحدة مأوى لمئات الآلاف من الألبان الذين قاوموا نظام ميلوسيفيتش الإستبدادي. وبعد بضع سنوات، بالتحديد في عام 1999 ، شنت الولايات المتحدة مع دول الإتحاد الأوروبي غارات جوية لحلف شمال الأطلسي ضد مواقع المدفعية الصربية لإنهاء فظائعهم. وبدعم من الدول الغربية أصبحت كوسوفو أحدث دولة نشأت في أوروبا وتحتفل في هذا العام بالذكرى العاشرة كدولة مستقلة.

كوسوفو معروفة كواحدة من أكثر الدول الموالية لأمريكا حيث فيها شوارع فخمة تحمل إسم الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بتمثال له يبلغ إرتفاعه 11 قدمًا عند مدخل العاصمة بريشتينا. وهناك شوارع مسمّاة أيضا ً على اسم جورج بوش وبو بايدن (الإبن الراحل لجو بايدن) وتسمّى الفتيات بأسماء مثل مادلين ألبرايت والصبيان بأسماء الشخصيات الأمريكية البارزة الأخرى. وفي عام 1999 ميلادية بنت الولايات المتحدة كبرى قواعدها العسكرية في البلقان المسمّى “كامب بوندستيل” في الجزء الشرقي من كوسوفو . وتُعرف كوسوفو من خلال دستورها كدولة علمانية، فالحجاب الإسلامي للفتيات والتعليمات الدينيّة محظورة في المدارس الإبتدائية والثانويّة.

والآن يتم استهداف كوسوفو من قبل الرئيس التركي طيب رجب أردوغان العازم على نشر أجندته الإسلامية في جميع أرجاء البلقان. إنه ينظر إلى كوسوفو على أنها فريسة سهلة ووسيلة لتعزيز مخططاته الشريرة ويستخدم الرئيس الكوسوفي المستسلم له، هاشم ثاتشي، لتنفيذ أوامره. ملايين اليوروات تتدفق من تركيا إلى كوسوفو من خلال قنوات غير قانونية متجاوزة ً البنوك والمؤسسات المالية المشروعة الأخرى. ففي عام 2015 ، كشفت “صحيفة زيري اليومية” الصادرة باللغة الألبانية في بريشتينا أن أردوغان يزيد من نفوذه من خلال بناء مؤسسات دينية ، بما في ذلك عشرات المساجد الجديدة وترميم مساجد قائمة شيّدت خلال الإمبراطورية العثمانية.

لقد تمّ تمويل هذه المباني والمؤسسات الدينيّة، الجديدة والقديمة، من قبل جهة متبرّعة ضخمة، هي الوكالة التركية للتعاون والتنسيق ( (TIKAالتي تديرها مباشرة السفارة التركية في بريشتينا. والأكثر إثارة للقلق هو أن أصول كوسوفو الأساسية – المطار والكهرباء – قد بيعت لشركات تحت سيطرة صهر أردوغان عندما كان رئيس كوسوفو الحالي رئيساً للوزراء آنذاك.

في 29 مارس / آذار ، قامت كوسوفو بترحيل ستة مدرسين من مدارس غولن إلى تركيا لتصبح الدولة الثالثة بعد العراق والسودان في تسليم أشخاص موالين لغولن إلى أجهزة مخابرات أردوغان الوحشيّة. ويضغط أردوعان بشكل ٍ منتظم على دول الإتحاد الأوروبي وأمريكا لترحّل “أعداءه” لتركيا، ولكن لحسن الحظّ ولا دولة غربية مستعدة للإستجابة لأجندة أردوغان الإسلامية المعادية للغرب.

بعد التغطية الإعلامية واسعة النطاق والصرخة المدنيّة ضد عمليات الترحيل المستهجنة ، لم يتحمل أي من زعماء كوسوفو المسؤولية ، ولو أنّ رئيس الوزراء راموش هاراديناي طرد وزيره للشؤون الداخلية ورئيس مخابراته قائلاً إن ذلك تم بدون إذنه.

لا أحد يستطيع أن يثق بتصريح الرئيس ثاتشي الذي ينكر أي معرفة بالعملية لأنه، كما هو معروف، حليف وثيق لأردوغان. ففي حوار معنا قال بيرات بوخالا ، رئيس تحرير أكبر صحيفة إعلامية عبر الإنترنت في كوسوفو، “غازيتا إكسبرس” ((Gazeta Express ، إن “خطف جماعة غولن في كوسوفو نظمه كلا الرئيسين ، أردوغان وهاشم ثاتشي”.

بوخالا مقتنع بأن تاتشي يكذب على الجمهور. “كل ما حدث كان منسقا ً بينهما”، ويتساءل:” كيف يمكن إذا ً لجهاز المخابرات التركية أن ينجح في خطف ستة من أنصار غولن من كوسوفو بطائرة خاصة من مطار بريشتينا بالتعاون مع شرطة كوسوفو ووكالة الإستخبارات، والرئيس لا يدري ؟!

انتقد أردوغان بشدة رئيس وزراء كوسوفو، راموش هاراديناج، بقوله أنه كان يوم 31 مارس “حزيناً” وأن رئيس الوزراء هاراديناج “سيدفع الثمن” بعد أن طرد وزير داخليته ورئيس مخابراته لقيامهما بترحيل الستة أشخاص (أنصار غولن) من كوسوفو دون إذنه، حسب إفادة وكالة اسوشيتد برس.

كان ردّ فعل مجتمع كوسوفو المدني وأغلبية وسائل الإعلام ضدّ إختطاف الستّة أنصار غولن. فلقد قال لولزيم بيتشي، السفير السابق لكوسوفو في السويد والمدير التنفيذي لمعهد كوسوفو لأبحاث السياسة والتنمية (KIPRED) لنا بأن فضيحة اعتقال ستة مواطنين أتراك وتسليمهم لاحقا إلى هيئة الإستخبارات الوطنية التركية من قبل شرطة كوسوفو يمثل واحدة من أكثر الأعمال المثيرة للإشمئزاز في إنتهاكات حقوق الإنسان للمواطنين الأجانب في كوسوفو.

“لم يخضع المواطنون الأتراك المتضررون لأي من الإجراءات القانونية التي يتطلبها القانون الوطني، وقبل كل شيء، لقد إنتُهكت اتفاقية حقوق الإنسان التابعة لمجلس أوروبا بشكل خطير، مع الأخذ بعين الإعتبار بأنه ينتظر المواطنين المرحلين إجراءات قضائية غير عادلة في تركيا “حسب قول بيتشي.

وفي محادثة مع إلير ديدا، وهو عضو في برلمان كوسوفو ويمثل حزب البديل ” ALTERNATIVA ” ألقى هذا باللائمة أيضا ً على رئيس كوسوفو لهذا العمل المشين الذي قوّض أساس أحدث ديمقراطية نشأت في أوروبا بقوله:. “تصرّف الرئيس ثاتشي بتهور وأصدر أمرا بإلقاء القبض على هؤلاء المواطنين وترحيلهم بصورة غير قانونية….وذلك خشية منه على مصيره الشخصي. إنه يخلق أزمة مستمرّة لكي يبقى على قيد الحياة من الناحية السياسيّة. فهذه الأزمة الأخيرة خلقت بشكل ٍ مباشر رد فعل داخلي”.

وانتقدت عالمة الإجتماع سيبل حليمي سياسة تعزيز بيئة مثالية لتركيا لنشر نفوذها. لقد شرحت لنا بأن” عزم تركيا على الإستثمار في المساجد يوسّع نفوذ أردوغان في المجالات الأخرى كذلك. وأشير هنا إلى الأولويّة المعطاة لطبقة كوسوفو السياسية واستعداد تركيا لشراء أصول الدولة في كوسوفو مثل مؤسسة كوسوفو للطاقة (KEK) والمطار …. “

وللأسف، لقد كان ردّ فعل الإتحاد الأوروبي محدودا ً جدّا ً، هذا في حين أنه كان ينبغي أن يكون حاسما ً بشكل ٍ مدوّي لأنه يهدّد سيادة كوسوفو ذاتها. وصرّحت مايا كوسيانجي ، الناطقة باسم المفوضية الأوروبية، في بيان عام لها “بإنّ اعتقال وترحيل ستة من الرعايا الأتراك المقيمين بشكل قانوني في كوسوفو يثير أسئلة حول احترام الإجراءات القانونية الواجبة.”

وصّوت برلمان كوسوفو بالإجماع على إنشاء لجنة تحقيق لفحص الإنهيار المؤسساتي وانتهاك الدستور والقوانين ذات الصلة باعتقال أنصارغولن. وهكذا بدأ أمين المظالم المستقل باستقصاء عملية هذا التسليم.

غير أن تأثير أجندة أردوغان الإسلامية في كوسوفو وغيرها من دول البلقان يحتاج إلى المزيد من الفحص والتدقيق من قبل الدول الغربية. لقد استثمر أردوغان بالفعل الملايين في المساجد ، والآلاف في مشاريع أخرى. ولا تزال كوسوفو الدولة الوحيدة في البلقان المحرومة من التحرّر من التأشيرات، الأمر الذي يعزل البلاد ويزيد من مخاطر خلق جو مثالي لاستثمارات أردوغان الإسلامية.

يجب على الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي العودة لرشدهم وتحذير أردوغان بأن هذا الطموح الغادر للسيطرة على كوسوفو بأي وسيلة متاحة له لن يتم التسامح معه لأنه لا شيء سوى وصفة لزعزعة الإستقرار والنزاع المسلّح الذي قد يتجاوز البلقان.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE