حركة لانهاء الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني
يتدهور الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني بشكل مطّرد, مما يجعل من امكانية التوصّل لاتفاقية على أساس حلّ الدولتين أمراً في غاية الصعوبة. وما نحن بحاجة ماسّة له هو أحزاب معارضة فعّالة تستطيع تقديم مبادرة لسياسة نتنياهو تجاه الفلسطينيين, وحركة شعبيّة قوميّة تطالب بتغيير قبل أن يصبح ترسّخ اسرائيل المتواصل في الضفة الغربية أمرا ًلا رجعة منه.
لقد فقدت قيادة المعارضة في اسرائيل بوصلتها السياسية بحيث أصبحت عاجزة عن تقديم اية افكار حول كيفية حلّ الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني. بدلا ً من ذلك, أخذوا يركزون على كيفية المناورة حول بعضهم البعض لخدمة مصالحهم الشخصيّة الضيقة بدلا من مصالح الدولة.
ان فشل المعارضة في التكتّل تحت قيادة ديناميكية وخلق حركة وطنية لوقف نتنياهو والمطالبة بالسلام الآن سيعرّض مستقبل اسرائيل للخطر. وعدا ذلك, لن ينجو أحد من هؤلاء القادة من حكم التاريخ القاسي بسبب فشلهم الذريع.
أخذت المشهد السياسي في اسرائيل في السنوات الاخيرة يتحول بشكل مطرد نحو اليمين, وأخر تأكيد على ذلك هو تعيين أفيغدور ليبرمان (زعيم الحزب الوطني المتشدّد “اسرائيل بيتنا”) وزيرا ً للدفاع, الامر الذي لا يبشّر بخير في التعامل مع الصراع الفلسطيني.
يحوّل هذا التغير البلد من الاساس الذي بني عليه كدولة ديمقراطية علمانية بأغلبية يهوديّة الى نظام محافظ متعصّب بمسحات دينية تزداد انتشارا ً وتوسّعا ًبشكل متزايد.
فبالنسبة لحكومة نتنياهو, تعتبر هذه احتلال الضفة الغربية كمسالة ينبغي السيطرة عليها بدلا ً من اعتباره أكثر الصراعات تبعيّة وخطورة الذي بمقدوره أن يمحو طابع اسرائيل اليهودي ومؤسساتها الديمقراطية, هذا في حين أنه يبدّد حلم الاغلبية العظمى من اليهود في العيش بسلام وأمان في دولة كانوا يحلمون بها منذ قرون طويلة من الزمن.
ومن أكثر التطورات المقلقة والمزعجة هو التحوّل البطيء للعسكرية اليهودية من مؤسسة مستقلّة وغير منحازة وموقّرة – ومن كونها بوتقة انصهار المجتمع الاسرائيلي – الى مؤسسة متاثرة بالدين وتتجه بشكل متزايد نحو يمين الوسط. هناك عدد متنام ٍ من كبار الضباط الذين يُعتبرون شديدي التديّن وملتزمين بالحفاظ على المستوطنات. وإن حان الوقت – أو عندما يحين – لاخلاء العديد من المستوطنات المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية, قد لا تستطيع الحكومات الاسرائيلية المستقبلية الاعتماد على الجيش لتنفيذ أمر اخلاء المستوطنات.
هل يُترك الامر لليبرمان لاتمام المهمة وجعل قوات الدفاع الاسرائيلي ليست فقط قوة لحماية أمن الدولة القومي المشروع, بل أيضا ً أداة للابقاء على الاحتلال وحماية المستوطنين باسم الامن القومي ؟
ان الاعمال العدائية التي انخفضت نسبيّا ً في الوقت الحاضر والازدهار الاقتصادي الذي تتمتع به نسبة كبيرة من المواطنين الاسرائيليين قد جعلهم أكثر سلبيّة وبلادة ً من أي وقت مضى في مواجهة الصراع المستعرّ, حيث تستمر الحكومة في نشر فكرة انه بالمقدور السيطرة على الصراع الى أجل غير مسمّى.
ان هذا الافتقار للوعي الشعبي مقلق بشكل ٍ غير عادي لانه ما دام لا يوجد هناك شعور أو احساس بالالحاح لحلّ الصراع, فان امكانية الحلّ تتحرك من سيء لاسوأ. وما دامت المعارضة السياسيّة صامتة, فانها تساهم بشكل ٍ مباشر في تدمير اساسات بنية اسرائيل.
ولسوء الحظ, المرة الوحيدة التي خرج بها الاسرائيليون الى الشوارع بشكل ٍ جماهيري (في عام 2011) كان بالدرجة الاولى بسبب الاحوال الاقتصادية دون الاشارة الى الصراع مع الفلسطينيين. لم يربط انذاك أولئك المحتجون حقيقة أن مشاكلهم الاقتصادية هي الى حدّ كبير نتيجة مباشرة لتبذير مئات الملايين من الدولارات على ابقاء الاحتلال وشرعنة مستوطنات جديدة وتوسيع أخرى قائمة دون اثارة اية موجة من الاحتجاج الشعبي ردا ً على ذلك. فتزايد اليأس الشعبي العامّ ونسب البطالة العالية والافتقار لفرص العمل والمشاكل الاجتماعية الاخرى التي تؤثر على المجتمع هي غالبا ً العوامل التي تكون سببا ً في احداث حركات وطنية تحتجّ ضد الاوضاع السائدة. فالربيع العربي, ومصر بالآخصّ, قد جسّد هذا الوضع حيث أنه كان حركة بقاعدة شعبية بدون قائد محدّد ورائها. ولكن المشكلة في اسرائيل هي أن الاوضاع الاجتماعية – الاقتصادية لا تقنع بما فيه الكفاية لاشعال حركة وطنية لان البلد بشكل ٍ عام يعيش في ازدهار اقتصادي والرضا عن الوضع الحالي – بدلا ً من التوجه للنشاط السياسي – قد أصبح الشعار الوطني.
والطريق الوحيدة لمنع البلد من الانزلاق للهاوية هو قيام أحزاب المعارضة بالالتفاف حول زعيم ٍ واحد يرفع راية الثورة السياسية لتوعية الشعب للخطر الوشيك الذي يلوح في الافق.
مثل هذه المبادرة ينبغي أن يتقدمها أحزاب من الوسط واليسار, شاملة حزب ميرتس, “يش عتيد” (هناك مستقبل) والائتلاف الصهيوني, وهذه بدعم من القائمة العربية المشتركة, وتعمل جميعها على وضع حلّ للصراع الاسرائيلي-الفلسطيني على رأس الاجندة الوطنية.
وللاسف, تجد شخصيات قيادية من المعارضة, بمن فيهم اسحق هرتسوغ, تسيبي ليفني ويائير لابيد منشغلة أكثر بمصالحها الشخصية الذاتية وطموحاتها العمياء بدلا ً من السعي وراء ما هو الافضل لمستقبل البلاد. وأنا شخصيّا ً أعتقد بأن هذه هي أكثر الحالات خطورة التي تتواجد فيها اسرائيل في الوقت الحاضر, حيث لا توجد أية حركة فعالة لمواجهة سياسات حكومة نتنياهو.
ولتصحيح هذا الاتجاه ينبغي اختيار قائد جديد من خارج الصفوف السياسية بدون خلفية اسمية في السياسات الحزبية, وبصورة خاصة رئيس الاركان السابق لجيش الدفاع الاسرائيلي, غابي أشكنازي, الذي بمقدوره جني الثقة الشعبية في التعامل مع الامن الوطني. وبامكانه قيادة ائتلاف سياسي مكوّن من جميع أحزاب المعارضة وهوائتلاف بامكانه منافسة ائتلاف نتنياهو ولديه فرصة حقيقية للاطاحة به في الانتخابات المقبلة.
وبالرغم من مجموعة القضايا المحلية الاجتماعية و الاقتصادية وقضايا العلاقات الخارجية التي ينبغي معالجتها, ومهما كانت هذه مهمة, يجب على أحزاب المعارضة وضع خلافاتها جانبا ً والاتفاق على وضع حلّ للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني في مقدمة ومركز اجندتها الوطنية حيث أنه يؤثر بشكل مباشر على جميع القضايا الاخرى التي تواجه البلد.
ولهذا الغرض, عليهم وضع مبادرة عملية تبدأ بعملية مصالحة – أي مبادرات شعب لشعب – للبدء بتخفيف المعوقات الرئيسية الثلاث لاعطاء اية مفاوضات للسلام مستقبلا ً فرصة أفضل بكثير للنجاح في وقت ٍ لاحق وهي: التشكك العميق وانعدام الثقة بين الطرفين, وقضايا الامن القومي المشروعة وتحرير مجموعات كبيرة من الناخبين الاسرائيليين والفلسطينيين من الوهم أنّ بامكانهم الاستحواذ على الكلّ على حساب الطرف الآخر.
أنا لا أعتقد أنّ هناك أية مبادرة أخرى لانهاء الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني يُنظر اليها كالاساس الذي يًبنى عليه مستقبل اسرائيل كدولة ديمقراطية, يهودية وامنة كالهدف النهائي والسبب الكامن وراء وجودها.
وبالنسبة لهرتسوغ وسياسيين أخرين: مجرد التفكير في الانضمام لحكومة نتنياهو تحت أي ستار أو مبرر لن يكون سوى السماح لانفسهم أن يُستغلّوا لخدمة مخططات نتنياهو وزمرته الشريرة لمنع اقامة دولة فلسطينية بأي شكل ٍ من الاشكال.
الوقت يعمل ضدّ مصلحة اسرائيل. وما دام الجمهور الاسرائيلي منخدع بحجة نتنياهو بأنه لا يمكن الوثوق بالفلسطينيين وبأنهم سيبقون أعداء ألداء, سيصبح الاحتلال المستمرّ مبررا ً أخلاقيا ً من قبل شريحة كبيرة من المواطنين الاسرائيليين حتّى وان كان هذا الاحتلال يدفع اسرائيل أكثر للهاوية.
يبقى حلّ الدولتين في نهاية المطاف الحلّ العملي الوحيد. والآن ومع نظرة جميع الدول العربية تقريباً لاسرائيل كحليف محتمل في مواجهتهم مع ايران واشغالهم في حرب استنزاف سنية – شيعيّة, على اسرائيل انتهاز الفرصة. ولذا يجب على أحزاب المعارضة العمل على نشر مبادرة السلام العربية وحثّ الشعب على احتضانها لآنها تقدم الاساس لحلّ الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني في سياق سلام عربي – اسرائيلي شامل.
ما نحن بحاجة له الآن هي تعبئة جماهيرية للشعب تقودها شخصيات سياسية بارزة ملتزمة بايجاد حلّ للصراع والقيام بحملة يوما ً بعد يوم لرفع الوعي الشعبي بالخطر المحدق الذي تواجهه اسرائيل اذا سُمح لحكومة نتنياهو بالاستمرار بالسير في نفس النهج.
تواجه أحزاب المعارضة السياسية في اسرائيل تحديا ً قوميا ً مصيريا ً. عليها أن تصحو وأن تدرك الحاح الساعة. الوقت ينفذ ! وما دامت أحزاب المعارضة في حالة من التشتت والفوضى, فانها تفاقم من تعريض مستقبل اسرائيل للخطر وتصبح شريكا ً لا أكثر لسياسة نتنياهو المحفوفة بالخطر.