All Writings
يونيو 19, 2015

ضرورة إستقلال السنّة العراقيين

من الشروط الأساسيّة لهزيمة تنظيم “داعش” في العراق هو تحديد المستقبل السياسي للسنّة العراقيين. فما دام هؤلاء لا يعرفون ما يخبّى لهم المستقبل، ليس هناك سببا ً أو دافعا ً لوضع عقولهم وقلوبهم في القتال ضد تنظيم “داعش”. والسنّة غير مستعدّون للقيام بجميع التضحيات الضرورية لكي تستفيد منها فقط الحكومة الشيعيّة في بغداد التي يرفضونها ويحتقرونها حتّى أكثر من “داعش”. وعلى إدارة الرئيس أوباما البدء – بالتزامن مع القتال ضد “داعش” – بالتفاوض حول الوضع المستقبلي للسنّة العراقيين.

أن يعتقد البيت الأبيض بأن العراق “سيخيّط” أو سيجمع شمله بطريقة ٍما بعد هزيمة “داعش” هو وهم ٌ كبير، لأنّ تقسيم العراق إلى ثلاث دول أصبح أمرا ً واقعيّا ً بعد غزو العراق مباشرة ً في عام 2003.

بعد خسارة سيطرتهم على العراق للشيعة في عام 2003 بعد 81 عاما ً من الحكم المتواصل، ما زال السنيّون يرفضون قبول ما يعتبرونه مهزلة تاريخيّة. وقد ازداد الأمر سوءا ً في غضون الأعوام الثمانية من حكم الشيعة بقيادة نوري المالكي الذي أساء استعمال سلطته وهمّش المجتمع السنّي ونكّل به.

وحقيقة أنّ تحالف ما يزيد عن إثنتي عشرة دولة بقيادة الولايات المتحدة لقتال “داعش” من الجوّ والبرّ قد فشل حتّى الآن يعود إلى غياب استراتيجيّة شاملة لهزيمة “داعش” وعدم وجود التزام من طرف السنيين العراقيين لمحاربة هذا التنظيم الذي يحتلّ معظم أراضي ثلاثة من مقاطعاتهم.

يجد السنّة أنفسهم عن غير قصد وغالبا ً بشكل ٍ تطوّعي يدعمون تنظيم “داعش” لأنهم يميلون من الناحية الدينيّة أكثر لداعش من الأغلبيّة الشيعيّة المصمّمة على إبقاء سيطرتها الكليّة على جميع أرجاء العراق.

إنّ حكومة الوحدة المزعومة في العراق التي سعت الولايات المتحدة إلى تشكيلها هي بحدّ ذاتها مهزلة، فلا وجود للوحدة. ورئيس الوزراء الحالي، حيدر العبادي، ضعيف ولم يفعل الشيء الكثير لتهدئة المجتمع السنّي. وتستمر إيران من ناحيتها في ممارسة نفوذها السياسي الكبير في بغداد بمشاركتها الفعّالة في القتال ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) عن طريق ميليشياتها التي يعارضها السنيّون ولكن الولايات المتحدة قبلتها بصمت.

لا ينظر السنّة العراقيّون لتدخّل إيران على أنّه تدخّل عابر. ومن الدّرس الذي تعلّموه من خبرتهم السابقة فإنهم لن يتخلّوا تحت أيّ ظرف عن مستقبلهم لنزوات إيران التي يعتبرونها عدوّا ً لدودا ً.

والسعوديّون القلقون من طموحات إيران الإقليميّة وتدخّلها المنهجيّ العنيف في الشؤون المحليّة للدول العربيّة – في سوريا والعراق ولبنان واليمن ودول أخرى كثيرة – يشعرون بقوّة بأنهم فقط بسماحهم للسنّة العراقيين بإقامة حكمهم الذاتي يستطيعون منع إيران من السيطرة الكاملة على العراق.

أضف إلى ذلك، ونظرا ً لأنّ الأكراد العراقيين في طريقهم لإتمام استقلالهم (وهي حقيقة تدركها الولايات المتحدة)، فمن المستحيل منع السّنة من التقدّم بالمثل. فقد أعلن رئيس كردستان العراق، مسعود البرزاني، في اجتماع ٍ قريب في ولاية كولومبيا بشكل ٍعلني عن نيّته في التحرّك نحو الإستقلال، وهو الأمر الذي أكّده فيما بعد مسؤول أمريكي كبير بقوله أنّه أمر ٌ محتوم.

وبالرّغم من أنّ الأكراد قد عانوا كثيرا ً تحت حكم صدّام حسين السنّي، فإنهم متفقون الآن مع السنيين اتفاقا ً تامّا ً لأنّ كلاهما يعتبر حكومة الشيعة حكومة ً معادية ويرفضون فكرة الفيدراليّة بصرف النظر عن مدى ارتباطها بالحكومة المركزيّة في بغداد.

على الولايات المتحدة أن تشرع الآن بحوار مع الحكومة العراقية والقيادة السنيّة لوضع إطار لاستقلال ٍ سياسي للسنّة العراقيين على نمط النموذج الكردي العراقي الذي سيؤدي في نهاية المطاف لاستقلال ٍ تامّ.

والقضيّة المركزيّة التي يجب ضمّها لأية اتفاقيّة حول استقلال السنّة هي التوزيع العادل لعائدات النفط في البلد، الأمر الذي يتطلّب آليّة صارمة وملزمة وتكون تحت حراسة ومراقبة دوليّة من قبل مجلس الأمن الدّولي لضمان التنفيذ الدائم والكامل لها.

يحتاج السنّة ضمانا ً لا لبس فيه بألاّ تقوم أية حكومة شيعيّة مستقبلا ً وتحت أيّ ظرف ٍ كان بالإمتناع عن توزيع الحصص الماليّة وإبقاء الدولة السنيّة رهينة بدون أن تتكبّد مثل هذه الحكومة عواقب سياسيّة وماليّة فوريّة وواضحة، شاملة العقوبات وتعليق أية مساعدات ماليّة وعسكريّة.

لقد نفّذ الأكراد العراقيّون سابقة من هذا النّوع حيث يقومون حاليّا ً بتحويل اعتمادات ماليّة من مبيعات نفطهم إلى الحكومة العراقيّة المركزيّة. وللتأكيد، على الدّول الثلاثة المستقلّة أن تجد صيغة تتوافق مع حصصهم الشرعيّة من عائدات النفط.

قد تمهّد اتفاقية عادلة حول تقاسم عائدات النفط الطريق أيضا ً لعلاقات ٍ أفضل وأوثق ما بين الدول الثلاث على أرض العراق، الأمر الذي سيؤدي إلى تعاون ٍ أكبر في مجالات أخرى كثيرة، بما في ذلك برامج تنمية اقتصاديّة مشتركة وتعاون أمني وتجارة ..وغير ذلك.

يجب على إدارة أوباما أن تفكّر الآن جديّا ً بما هو وراء هزيمة داعش وبالتأكيد أيضا ً ما وراء الوصول لاتفاقيّة مع إيران حول برنامجها النووي. لإيران القدرة والنيّة على تعطيل أية اتفاقيّة سياسيّة في العراق لا تخدم مصالحها الخاصّة. هذا ويجب أن يكون الأمر واضحا ً بما فيه الكفاية لطهران بأنّ الولايات المتحدة لن تتسامح مع أية أعمال تخريبيّة هدفها التقويض من رخاء واستقرار الدولة السنيّة المقامة حديثا ً. ولردع إيران من القيام بأعمال ٍ خبيثة، قد يتطلّب الأمر قيام الولايات المتحدة بتوفير ضمانات أمنيّة للدولة السنيّة على طول خط التزامها بأمن أكراد العراق.

سيكون لهذا كلّه أيضا ً تأثيراً إيجابيّا ً جدّيّا ً على حرب الوكالة السنيّة – الشيعيّة التي تخوضها المملكة العربيّة السعوديّة وإيران في سوريا والعراق من أجل الهيمنة الإقليميّة، التي قد تستمرّ خلافا ً لذلك عقودا ً من الزمن.

إنّ الإفتقار لاستراتيجيّة أمريكيّة واضحة في العراق حسب اعتراف الرئيس أوباما في تصريحه الأخير( الذي قال فيه:”ليس لدينا استراتيجيّة كاملة بعد لأنها تتطلّب التزامات من جانب العراقيين”) هو أمر ٌ مذهل حقّا ً، إذ كيف يُعقل أن تتورّط الولايات المتحدة في حرب ٍ دون أن يكون لديها استراتيجيّة واضحة لهزيمة العدوّ وما ينبغي أن تكون عليه النتيجة المرجوّة.

لم يعد سرّا ً على أحد بأنّ القوات العراقيّة غير مدرّبة تماما ً وغير جاهزة للقتال. وحتّى ولو كانت كذلك، فإنها لن تهزم تنظيم الدولة الإسلاميّة “داعش” من تلقاء نفسها، بدعم الميليشيات الإيرانيّة أو بدون دعمها.

هذا الإفتقار لاستراتيجيّة واضحة سمح لمجموعات متطرّفة من جميع المعتقدات الدينيّة والإتجاهات السياسيّة أن تتجمّع في العراق وسوريا وتستفيد من الوضع الفوضوي الذي اجتاح كلا البلدين. ولذا فقد حان الوقت لإدارة الرئيس أوباما أن تضع مع شركائها في التحالف استراتيجيّة لهزيمة تنظيم “داعش”، الأمر الذي سيتطلّب بالضرورة إدخال قوّات بريّة كبيرة يتمّ حشدها من التحالف وتضمّ فرقة أمريكيّة لكي تلحق هزيمة سريعة بداعش.

وأقلّ من ذلك، سيستمرّ تنظيم “داعش” في توسيع سيطرته الإقليميّة على الأرض وسيوطّد مواقعه أكثر فأكثر، وبالأخصّ في الأقاليم السنيّة، ممّا سيجعل من هزيمته أمرا ً أكثر صعوبة ً وتكلفة ً من أيّ وقت ٍ مضى.

وبالتزامن مع إدخال القوّات البريّة، يجب على الولايات المتحدة أن تؤكّد للسنًة العراقيين بأن استقلالهم السياسي في المستقبل مضمون.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE