رسالة مفتوحة للإسرائيليين والفلسطينيين
إنني أكتب حول الصراع بينكم مدّة تزيد عن ثلاثة عقود. وأجد نفسي في كلّ مرّة أنقّب حول نفس المواضيع بدون تغيير، فطبيعة الصراع تبقى بدون تغيير كما هي. أنتم جيران متواجدون على نفس الأرض، ولكنكم قريبون من كارثة تسببونها لأنفسكم. هذا مع أن قدركم هو أن تتعايشوا بسلامٍ مع بعضكم البعض إلى الأبد، ويجب عليكم الآن أن تختاروا إما العيش بسلامٍ ووئام أو عداء وكراهية تنهي كليكما من الوجود.
يجب ألاّ يموت أي طفل إسرائيلي أو فلسطيني لسببٍ يتحدى الواقع والعقل. فأخذ شبان رهينة وقتلهم بصورة مرعبة بدمٍ بارد، أو خطف طفل وحرقه بشكلٍ مروّع حيّاً يتحدّى معتقداتكم الدينية والمبادىء الأساسية لإنسانيتكم.
كوحوش تزحف المجانين المسلحة من بينكم في الظلال بحثاُ عن ضحاياها ليشبعوا نهمهم للثأر والإنتقام. إنهم يلحقون بكم الخزي والعار كشعبٍ وأمة، هذا في حين أنهم يسمّمون الأجيال القادمة بالعداوة والازدراء ويسلبونهم مستقبلهم ويدمرون ما تبقى من أمل للعيش بسلامٍ ووئام.
تصرخ الأغلبية منكم، إسرائيليين وفلسطينيين، للسلام وتتوق لذلك اليوم صعب المنال عندما يكون باستطاعتكم الخلود للفراش دون خوف ومواجهة الغد بشوقٍ لما يخبئه لكم من أحداث. وكل يوم ينتزع منكم مزيداً من الدماء ويسبب لكم المزيد من العذاب يُضاف للأيام التي ُتحفر فيها قبوركم أعمق فأعمق، دافنة أطفال أبرياء وأي أمل لمستقبل أفضل.
إن الفجوة بينكم تتسع يوماً بعد يوم وتغذي حلقة الموت والدّمار. قبدلاً من التواصل بتعاطف ورحمة تقضون على آخر آثار التعاطف تجاه بعضكم البعض وأنتم على علمٍ بأنه لا يوجد مكان آخر تذهبون إليه سوى أن تكونوا معاً.
وأنتم من تدعون أنفسكم قادة وزعماء، أنتم المسئولون عن هذه الحالة المزرية. تحرّضون شعوبكم وتغذّون نيران العداء والعنف كونكم غاطسين في إيديولوجية عمياء أو في معتقدات دينية مضللة وتستحوذ عليكم “رسالة مسيانية”.
الخزي عليك يا نفتالي بينيت، فأنت رجل متحمّس مجنون! أنت تريد أن تضمّ معظم أراضي الضفة الغربية وتنادي علناً بغزو قطاع غزة. أنت تصرّح بأن الحرب مع حماس أمر لا مفرّ منه وتقول:”بأنه من المفضل أن نكون نحن (الإسرائيليون) البادئين بها”. أنت خطر يهدّد شعب إسرائيل الذي ترغب – على ما أعتقد – في حمايته. لا يهمك أن يموت مئات الإسرائيليين والفلسطينيين ما دمت تستمرّ في جمع الثروات وتتمتع بما تقدمه لك الحياة من عيش رغيد.
وماذا عنك يا إسماعيل هنية، زعيم حماس المضلّل، فأنت أحمق متعصّب يرفض أن يرى النور. لقد مجّدت اختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة وتدعو لانتفاضة أخرى وتشجّع “تصاعد المقاومة” لتشاهد فقط آلاف الفلسطينيي يموتون كحملان فداء لترضي أنانيتك الملتوية ومعتقداتك الدينية الجوفاء.
وأنت يا نائب وزير الدفاع داني دانون، لقد فقدت منذ أمدٍ بعيد قيمك الأخلقية وتنادي بدون خجل بعقاب الفلسطينيين بشكل جماعي معلناً بفخرٍ:”إذا وجد الإرهابيون ملجأً بين الفلسطينيين، على الفلسطينيين حينئذٍ دفع الثمن”.
وأنت ياخالد مشعل، زعيم حماس السياسي الصفيق! أنت تشجّع على المزيد من عمليات اختطاف إسرائيليين و”تهنىء” الخاطفين بحقد كما لو كان ذلك الوصفة “للتحرر من سجون الإحتلال”. أنت بذلك تدعو لمزيد من البؤس على العديد من الفلسطينيين الأبرياء اللذين يريدون بكلّ بساطة أن يعيشوا حياةً طبيعية خالية من الكرب والألم المتواصلين.
وأنت يا رئيس الوزراء نتنياهو، لا تستطيع أن تختبىء وراء رد فعلك المعتدل على اختطاف الشبان الإسرائيليين الثلاثة وتعابير تعاطفك مع عائلة الصبي الفلسطيني الذي ضُرب ثم أُحرق حيّاً. أنت الآن تحصد ثمار سياستك التوسعية القاسية ونزعتك العقائدية العمياء. أنت الذي خلقت هذا الوضع المأساوي بينك وبين الفلسطينيين وساهمت بدرجة كبيرة للوصول لهذا المأزق وفقدان الأمل في التّوصل يوماً ما لاتفاقية سلام.
هذه محنتكم، أنتم الإسرائيليون والفلسطينيون على حدّ سواء. أنتم يسيّرونكم قادة غير كفؤين وأنانيين، عديمي الرؤية والتبصّر وبدون شجاعة. هل توقفتم لبرهة وسألتم أنفسكم السؤال البسيط التالي: إلى أين نحن ذاهبون من هنا؟ لا أحد منكم – أكان اسمه بينيت أم هنية أم نتنياهو أم مشعل أم عباس – يعلم ماذا سيكون مصير إسرائيل والفلسطينيين خلال خمسة أو عشرة أعوام إن استمريتم وراء سياساتكم المفلسة.
أنتم معشر الإسرائيليين والفلسطينيين، قادةً وشعباً، يجب أن تقبلوا أخيراً الحقيقة المرّة التي ترفضون مواجهتها. أنتم عالقون بعضكم ببعض ولا مفر ولا مستقبل لأي منكم دون الآخر.
وأنتم أيها المتطرفون الفلسطينيون اللذين تسعون لتدمير إسرائيل، إنكم لن تدمروا سوى أنفسكم. إسرائيل خُلقت لتبقى ولن تموت لوحدها. وأنتم أيها المتشدّدون الإسرائيليون اللذين تتآمرون على إعاقة تحقيق مطمح الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ستقوّضون إسرائيل كدولة يهودية بشكل غير قابل للإصلاح. ستصبح إسرائيل دولة عسكرية معزولة ومكروهة من قِبل المجتمع الدولي.
وعلى نقيض ذلك، بمقدوركما يا رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس أن تغيّرا هذا المسار الحالي المحفوف بالمخاطر. فإذا كنتما بالفعل ترغبان في تحقيق سلام يعتمد على أساس حلّ الدولتين، عليكما البرهان على ذلك بالإرتقاء لنداء الساعة وتحويل مآسي الأيام الحالية إلى انتصار على شرّ التطرّف.
حان الوقت لكي تقفا معاً بشموخ وتعلنان عن التزامكما الذي لا يهتز بتحقيق السلام الآن وفي هذه المرحلة. تقع على أكتافكما المسئولية الأخلاقية والمعنوية للجعل من تضحية الأطفال الإسرائيليين والفلسطينيين الأبرياء – اللذين أنهيت حياتهم القصيرة قسراً – العامل المحفّز للسلام وليس السبب لمزيد من العنف والموت.
وأنت يا نتنياهو بشكلٍ خاصّ، لا تستطيع بعد الآن استخدام السقوط المحتمل لحكومتك الإئتلافية كعذر لعدم القيام بتنازلات جوهرية للفلسطينيين. فلا تصغي للصقور وتجتاح قطاع غزة مرّة أخرى! وعندما يعود الهدوء، عليك أن تتحلّى بالشجاعة وتقوم بحلّ حكومتك وتشكيل إئتلاف جديد يكرّس نفسه للعملية السلمية. فبالرّغم من أخطائك في الماضي، فما زلت تمتلك الصفات والمؤهلات القيادية اللازمة الآن لمنع الكارثة التي تلوح في الأفق. قد تكون هذه أعظم ساعة في مسيرتك المهنية الطويلة أو تكون ساعة الخزي والعار لفشلك في الإرتقاء فوق النزاع.
وأنت يا محمود عباس، عليك أنت أيضا ً أن تتخذ الخيار الصعب. فبما أنّ حكومة الوفاق الوطني التي شكّلتها تفضّل مفاوضات السّلام، عليك أن تطالب بأن تلتزم حماس بقواعد المشاركة وألاّ تسمح لحماس بعد الآن أن “تلعب على حبلين”. يجب أن تصرّ على أن ينبذ قادة حماس العنف نهائيّا ً وبشكل ٍ حاسم إلى الأبد أو أن تتركهم يغرقون في مستنقعهم. سيدفعون الثمن غاليا ً لتضليلهم إخوتهم الفلسطينيين في قطاع غزّة اللذين يتوقون بشكل ٍ يائس لطعم الحريّة ولبصيص ٍ من الأمل.
وأنتم يا أصحاب الضمائر الحيّة من الإسرائيليين والفلسطينيين، عليكم الآن أن ترفعوا أصواتكم عاليا ً لكي يسمعكم الجميع بوضوح: كفاية يعني كفاية ! فلا سفك دماء ٍ بعد اليوم ولا خسارة أرواح ٍ غالية ولا دموع ولا أمهات وآباء مكسوري القلب حزانى ! لقد حان الوقت بالنسبة لكم لكي تناضلوا من أجل السّلام لأن استمرار الصّراع لن يفرز أبدا ً أيّ فائز بل يؤدّي للموت والدمار على كلا الجانبين. ليس هناك مجد ولا بطولة ولا كرامة ولا شهادة في الموت إذا كان السّلام في متناول أياديكم.