إستراتيجية القوة إلى جانب دبلوماسية سليمة
أدى هجوم الرئيس ترامب غير المتوقع على قاعدة الشعيرات الجوية السورية – ردا على هجوم الرئيس الأسد بغاز السارين السامّ على مواطنيه – إلى تغيير دينامية الحرب الأهلية في سوريا ولربما أيضا ً إلى تغيير نتيجة الحرب في نهاية المطاف. كما وأرسل هجوم ترامب رسالة واضحة ليس فقط إلى الأسد، بل إلى روسيا وإيران اللتين تعتبران داعمان قويان للأسد، ولكوريا الشمالية التي تختبر تصميم الولايات المتحدة على برنامجها الصاروخي. لقد قامت هذه الصلية الوحيدة من الصواريخ بإصلاح بعض المصداقية العالمية للولايات المتحدة التي شوّهتها إدارة أوباما. وفي الوقت نفسه، فرض هجوم ترامب مسؤولية جديدة على الولايات المتحدة من خلال اتباع استراتيجية مدروسة تشكّل فرصة جيدة لإنهاء الحرب الأهلية المروعة في سوريا وتقليص التهديد الكوري الشمالي.
تتطلب أية استراتيجية جديدة تعريفاً واضحاً لهدفها النهائي. وإذا كان الهدف هو إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، فلا بد من النظر بعناية في دور ومتطلبات جميع أصحاب المصلحة المشاركين في الحرب، والتي بدونها لا يمكن التوصل إلى اتفاق مستدام.
وعلى الرغم من أن إيجاد حل للصراع هو أمر بالغ الصعوبة، والآن وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة متورطة بشكل مباشر، فإن ترامب ليس لديه خيار سوى المحاولة. وأرى أنه نظرا لأن جميع الأطراف المعنية تسعى إلى وضع حد للصراع بشروط معينة، فإن إدارة ترامب تحتاج إلى النظر في احتياجاتها، ولكن عليها أن تتبع استراتيجية تقوم على نهج السياسة الخارجية لثيودور روزفلت المتمثلة في “التحدث بهدوء وحمل عصا غليظة في آن ٍ واحد”.
أولا، يجب على ترامب أن يطالب بوقف القتل العشوائي للرجال والنساء والأطفال الأبرياء فورا كما صرّح فعلا ً في الماضي. وعلى الرغم من أنه لا ينبغي التسامح مع العمل الشنيع المتمثل في استخدام الأسلحة الكيميائية، فإن قتل المدنيين بالجملة بالبراميل المتفجرة والتجويع لا يمكن إدانته بدرجة أقل. كما يجب تحذير الأسد من أنه إذا فشل في الإمتثال بذلك، فإن الولايات المتحدة ستهاجم أهدافا جديدة في سوريا، وخاصة المدارج وحظائر الطائرات ومستودعات الذخائر.
سيتخذ رعاة الأسد، روسيا وإيران، هذا التحذير على محمل الجد، لأنه على الرغم من تبجحاتهم وتوعداتهم العلنيّة، لا يريد أي منهما إشراك الولايات المتحدة عسكرياً، خاصة أن ترامب قد أثبت مصداقيته لاتخاذ إجراءات عقابية لوقف عمليات القتل العديمة الجدوى، فضلاً عن عدم إمكانية التنبؤ بمتى وكيف سيتصرف.
الجزء الثاني من الإستراتيجية هوأن يقوم ترامب بمدّ يده لجميع اللاعبين الذين لديهم مصالح في الحرب ونتائجها النهائية – وخاصة روسيا وإيران والأسد والمتمردين – لبدء مفاوضات جدية بهدف إنهاء الحرب الأهلية.
وعلى الرغم من أنه يبدو بأنّ اللاعبين متفقون على أنه يجب تصفية تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” وأنه يجب عليهم التعاون لتحقيق هذا الهدف، فإن البحث عن حل للحرب الأهلية يجب ألا ينتظر هزيمة وزوال داعش، بل ينبغي أن تبدأ المفاوضات لإنهاء الحرب على الفور.
تدرك إدارة ترامب أن روسيا هي أهم لاعب لديها مصالح إستراتيجية في سوريا تعود إلى ما يقرب من خمسة عقود. لدى روسيا قاعدة بحرية في مدينة طرطوس، وسوف تصر على الحفاظ على وجودها ونفوذها في سوريا.
وبالمثل، فإن طموح إيران في أن تصبح قوّة مهيمنة في المنطقة يشير إلى أنها لن تتخلى تحت أي ظرف من الظروف عن مصالحها الإستراتيجية من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث تشكل سوريا محورها.
ستواصل روسيا وإيران دعم الأسد طالما أنه يخدم مصالحهما. لهذا السبب، لا يجوز لترامب أن يتذبذب أو يتردّد. يجب عليه أن يقبل بأنه يتعيّن على الأسد الإستمرار في منصبه كرئيس خلال فترة انتقالية، ربما لمدة ثلاث إلى أربع سنوات.
يستطيع ترامب وبوتين العمل معا على تشكيل حكومة تمثيلية تتكون من القطاعات الرئيسية للسكان – السنة (ويمثلها الجيش السوري الحر) والأكراد والعلويين والمسيحيين – لمدة خمس سنوات على الأقل، ينبغي خلالها أن ينصبّ التركيز على إعادة بناء البلد واستعادة الأمن الداخلي.
وخلال هذه الفترة، ينبغي إنشاء اتحاد فضفاض يحدّد بموجبه كل قطاع من القطاعات الرئيسية نظام حكم شبه مستقل له ويوافق على المشاركة في عملية سلام ومصالحة لمنع الإنتقام والعقاب وتمهيد السبيل للتعاون الإقتصادي والأمني.
يجب أيضا إعادة توطين اللاجئين، وينبغي أن تتفق الأطراف على برنامج يسمح للاجئين بالعودة إلى ديارهم. ونظرا للتدمير الواسع النطاق للبلد، ينبغي لجميع أصحاب المصلحة الشروع في جمع مليارات الدولارات اللازمة لإعادة بناء البنية التحتيّة ودعم إعادة تأهيل اللاجئين.
ومن الآن وحتى وقت التوصل إلى هذا الاتفاق، ينبغي إنشاء منطقة حظر جوي في سوريا على طول حدودها مع تركيا والأردن لتوفير ملاذ آمن للمشردين داخليا واللاجئين.
وللتأكيد، ينبغي على ترامب أن يكون واضحا بأن الولايات المتحدة أكثر من أن تكون راغبة ً أو مستعدّة فقط لإقحام نفسها بشكل دبلوماسي لإنهاء الحرب في سوريا التي تهدد أمنها وأمن حلفائها. يجب أن يؤكد ترامب أيضا على أن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام القوّة عند الضرورة لتحقيق أهدافها.
وإصدار ترامب الأمر لمهاجمة قاعدة جوية سورية أثناء تناول العشاء مع الرئيس الصيني شي جين بينغ كان المقصود منه أيضاً توجيه رسالة صريحة وواضحة إلى نظام كوريا الشمالية. وعلاوة على ذلك، فإنّ توجيه مجموعة من الضربات البحرية إلى غرب المحيط الهادئ بالقرب من شبه الجزيرة الكورية يبعث رسالة لا لبس فيها إلى الصين بأن الوقت قد حان لكبح جماح الإستفزازات في كوريا الشمالية، لأنه كلما استمر الصراع، ازداد تعقيده.
ومن خلال إجراءاته ضد الأسد وتجاه كوريا الشمالية أكد الرئيس ترامب مرّة أخرى على مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدوليّة من خلال تحدي أعدائها بأن يحترسوا من تصميمها، هذا في حين يدعو الرئيس إلى حل دبلوماسي على أساس المصالح الوطنية لجميع اللاعبين المعنيين.
وروسيا مهتمة بشكل خاص باستئناف العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة وحريصة على رفع العقوبات عنها. ينبغي أن تمهد زيارة وزير الخارجية تيلرسون لموسكو الطريق لبدء مفاوضات جادة لإنهاء الصراع في سوريا طالما أنها تضمن الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل لروسيا.
ان مصلحة الصين الرئيسية هى الحفاظ على علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، بل وتحسينها. ومع بعض الحوافز الأمريكية، من المحتمل أن تتخذ الصين أية خطوات ضرورية لترويض كوريا الشمالية ومنع أي مواجهات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية من شأنها أن تسبّب إضطرابات إقليمية تريد الصين تجنبها بأي ثمن.
وبالمثل، فإن إيران تريد منع أي تشابك عسكري مع الولايات المتحدة، مدركة ً حقّ اليقين بأنها ببساطة لن تخرج من مثل هذه المواجهات سوى ذليلة، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبا على مصالحها الوطنية في سوريا وتركها عرضة لعقوبات جديدة كاسحة.
إنّ الولايات المتحدة اليوم في وضع أفضل مما كانت عليه قبل أكثر من ستة عشر عاما لإعادة مصداقيتها العالمية ومسؤولياتها الأخلاقية والأمنية.
إن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب واستعداده لاستخدام القوة عند الضرورة يمكن أن يكونا ركنا ً أساسيّا، ولكنه ليس بديلا ً عن استراتيجية سليمة وفعالة، استراتيجية تقدم الجزرة بينما تحمل عصا غليظة، هذا مع وجود هدف واضح دائماً في مرمى النّظر.