All Writings
أغسطس 12, 2013

حان الوقت لمفاوضات أمريكية – إيرانية مباشرة

يعتقد العديد من المصادر الموثوقة بأن انتخاب رئيسٍ جديد لإيران هو حسن روحاني يمثل فرصة مواتية، إن لم تكن زخمة، للبدء في مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في محاولةٍ لحلّ الصراع حول برنامج طهران النووي بالطرق السلمية.

لقد تحسّنت إمكانية حدوث اختراق بشكل جذري بسبب عزم الرئيس المنتخب روحاني على اتخاذ مسارٍ مختلف اختلافاً جوهرياً عن المسار التصادمي الذي اتخذه سلفه أحمدي نجاد خلال فترة رئاسته التي دامت ثمانية أعوام.

وبشكل ٍ مخالف، فبصرف النظر عن ضآلة فرصة التوصل لاتفاقية بين الطرفين، إدارة أوباما ملتزمة في السعي وراء مفاوضات مباشرة لكي تبيّن للعالم بأنها لم توفّر أي جهد لإنهاء صراعٍ يغلي على نارٍ هادئة قبل أن يشعل حرباً أخرى بنتائج كارثية في الشرق الأوسط.

إن روحاني رجل دين بثقافة غربية يحتلّ مركزاً مرموقاً في النظام وحسن الإضطلاع وله علاقات واسعة مع كبار المسئولين الإيرانيين السابقين والحاليين وهو يتمتع بثقة المرشد الأعلى، علي خامئيني، ويعلم ما بوسعه أن يفعل وما لا يستطيع قبوله. وهو علاوة على ذلك مفاوض ماهر وذو خبرة ولديه صفات شخصية عديدة أكسبته احتراماً على نطاقٍ واسع.

ففي تصريحٍ له بعد مراسم تنصيبه رئيساً تعهد روحاني أن يتبع “مسار الإعتدال” وواعداً في نفس الوقت أن يضفي شفافية أكبر حول برنامج بلده النووي.

أضف إلى ذلك، فقد أصرّ روحاني على أنّ “الطريق الوحيدة للتواصل مع إيران هي الحوار على قدم المساواة وباحترامٍ متبادل وبناء ثقة متبادلة”. وأضاف يقول:”أريد أن أعبّر بوضوح أنكم إن أردتم الجواب الصحيح يجب ألاّ يكون هذا عبر لغة العقوبات، بل من خلال الحوار والإحترام”. وللتعبير بوضوح عن استعداده للتفاوض بجدية، فقد عيّن طاقماً ذو ميول غربية للتفاوض، شاملاً السيد جواد ظريف، أحد متكلمي اللغة الإنجليزية بطلاقة والذي حصل على درجة الدكتوراة من جامعة دنفر وكان سفيراً لإيران لدى الأمم المتحدة كوزير خارجيته، الأمر الذي يوحي بشدة عن التزامه بكسر جمود المأزق النووي.

هنّأ البيت الأبيض الرئيس الجديد ببيان قال فيه:”يقدم تنصيب الرئيس الروحاني فرصةً لإيران للعمل بسرعة من أجل إزالة مخاوف المجتمع الدولي العميقة حول برنامج إيران النووي” وعبّر عن أمله بالقول بأنّ الحكومة الإيرانية الجديدة “ستجد في الولايات المتحدة شريكاً مستعداً وراغباً” إذا اختارت الحكومة الإيرانية “التفاوض بموضوعية وجدية”.

أنا شخصياً أؤيد بالكامل المفاوضات المباشرة، فمن الضروري أن تقوم الولايات المتحدة باستنفاذ جميع الخيارات الممكنة قبل أن تلجأ للوسائل العسكرية، وبالأخصّ لأن هذه المفاوضات تأتي في وقت ٍ تحتاج فيه ايران لتغيير مسارها ومن المحتمل أن تقوم بتنازلات هامّة دون خسارة ماء الوجه.

طهران متشجّعة بأربعة عوامل رئيسيّة لإنهاء المشكل النووي الشائك:

أوّلا ً: لقد التزم الرئيس الجديد بمعالجة أزمة إيران الإقتصاديّة وتدهورها المتواصل الناتج بشكل رئيسي من فرض العقوبات الكاسحة عليها. وروحاني يدرك بأن الطريقة الوحيدة لتخفيف الضغط الإقتصادي هي بتخفيف العقوبات ورفعها في نهاية المطاف عن طريق المفاوضات.

ثانيا ً: بالنظر لموجة الثورات والإضطرابات في منطقة الشرق الأوسط في صحوة الربيع العربي، تهتمّ طهران وبشكل ٍ خاصّ في الحفاظ على نفوذها في سوريا وفي البقاء لاعبا ُ إقليميّا ً مهمّا ً. وروحاني يدرك أنّه ما دامت المشكلة النوويّة قائمة، ستستمرّ الولايات المتحدة في اتخاذ إجراءات لتقويض مصالح إيران ومنعها من أن تصبح جزءا ً من الحلّ لمشكلة الحرب الأهليّة في سوريا.

ثالثا ً: إيران مهتمّة جدّا ً لإنهاء عزلتها الدوليّة، ولا شيء يستطيع أن يخفّف من ذلك إلاّ أذا كان هناك حلّ للمأزق النووي. وروحاني يدرك تماما ً بأن هذه قد تكون فرصة إيران الأخيرة لإنهاء الصّراع بشكل ٍ سلمي والإنضمام ثانية للمجتمع الدولي كلاعب إقليمي رئيسي ببعد دولي.

رابعا ً: ليس هناك للزمرة الإيرانيّة الدينيّة الحاكمة شيء ٌ أكثر أهميّة من البقاء في السّلطة. وما دامت القضيّة النوويّة مستمرّة في الجيشان تبقى هذه الزّمرة قلقة ً حول ما تخطط له الولايات المتحدة للسعي وراء تغيير النظام. وبالفعل، فحبّ البقاء في السلطة بالنسبة لحكام إيران الحاليين يفوق بكثير حبّ امتلاك الأسلحة النوويّة.

وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكيّة ليس هناك أيضا ً وقت أفضل للتفاوض مباشرة ً مع إيران من الوقت الحالي، وبالأخصّ أنّ إدارة أوباما تناضل جاهدة ً في الوقت الحاضر لإعادة مصداقيتها في أعين حلفاء أمريكا وأعدائها على حدّ ٍ سواء.

لقد بعث حوالي ثلاثين خبيرا ً من الأمن القومي الأمريكي إضافة ً إلى دوبلماسيين سابقين وقادة عسكريين رسالة ً للرئيس أوباما يقولون فيها وبشدّة بأن انتخاب الرئيس روحاني يمثّل “فرصة كبيرة لإعادة إحياء الجهود الدبلماسيّة لحلّ الصراع حول برنامج إيران النووي”.

وبالنظر إلى ورطة الولايات المتحدة في صراع ٍ عنيف ٍ آخر (سوريا) يرفضه معظم الأمريكيين، تحتاج إدارة الرئيس أوباما أن تبيّن للشعب الأمريكي بأنها لا تدّخر جهدا ً أو تفوّت أية فرصة لحلّ دوبلماسي، وبالأخصّ في ضوء أسلوب الإدارة الجبان في تعاملها مع الأزمة السوريّة.

ستحشد المباحثات المباشرة تأييد المجتمع الأوروبي الكامل، فحلفاء أمريكا الأوروبيّون قلقون جدّا ً حول عواقب هجوم ٍ عسكري على منشآت إيران النوويّة في غياب اتفاق ٍ بينهم ويريدون أن يكونوا متأكدين بأنه لن ُتترك أية فرصة ممكنة للتوصّل لاتفاقية سلميّة دون انتهازها. وسيرسل القيام بهذه المباحثات رسالة واضحة لروسيا وللصين مفادها أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة تبقى القوّة الوحيدة الأكثر تأثيرا ً في الشرق الأوسط وتحرّر كلا الدولتين المذكورتين من فكرة أو وهم أن الولايات المتحدة قد فقدت نفوذها وأنها لن تتخذ إجراءات أحاديّة الجانب إذا دعت الضرورة لذلك.

وبصرف النظر عن نتيجة هذه المفاوضات المباشرة، فإنها ستعيد ثقة الدول العربيّة بأن واشنطن لن تترك برنامج إيران النووي دون رقابة. والدول العربيّة ذات الأغلبيّة السنيّة بشكل ٍ خاصّ ترى من وجهة نظرها برنامج إيران النووي في سياق الصّراع السنّي – الشيعي. إنّها مرتعبة من أن تصبح إيران نوويّة وتتوقّع من الولايات المتحدة أن تمنعها من ذلك، غير أنّ هذه الدول تفضّل حلاّ ً سلميّا ً للمأزق.

وبالرّغم من مخاوف إسرائيل الشديدة حول تهديدات ايران لوجودها، غير أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة هي القادرة فقط على طمأنة إسرائيل بأن المفاوضات المباشرة ستسمح للولايات المتحدة سبر موقف طهران فعلا ً من القضيّة النوويّة. ومع ذلك، يجب على حكومة نتنياهو ألا تضع أجندة خاصّة بكيفيّة حلّ موضوع برنامج إيران النووي مادام سيُحلّ بطريقة مرضية من طرف الولايات المتحدة.

وبالفعل، إذا كانت المباحثات ستؤدي إلى اتفاقيّة مرضية لإسرائيل، فإنها ستنقذ البلد على الأرجح من عمليّة عسكريّة كبيرة بنتائج لا يمكن التنبّؤ بها. وفي حالة فشل المفاوضات، فإن ذلك سيعطي إسرائيل الحقّ المعنوي لاتخاذ أية إجراءات تراها ضروريّة للقضاء على التهديد الإيراني.

ولتحسين فرص النجاح في هذه المفاوضات، يجب وضع مجموعة صارمة من قواعد التفاوض. ولمنع الإيرانيين من اللعب من أجل كسب الوقت، يجب تحديد مدّة المفاوضات مقدّما ً ويجب ألاّ تزيد هذه عن أربعة أشهر، وهي – مع كل التقديرات – مدّة كافية للتوصّل لاتفاقيّة.

ومع أنّه لا يجب أن يكون هناك تخفيفا ً للعقوبات المفروضة حاليّا ً خلال فترة المفاوضات، غير أنّه يجب أيضا ً عدم إضافة عقوبات جديدة عليها. والجدير بالذكر في هذا السّياق أنّ القانون الذي مرّ بأغلبيّة ساحقة من مجلس النواب الأمريكي فارضا ً المزيد من القيود على قطاع النفط الإيراني في الوقت الذي كان يُنصّب فيه روحاني رئيسا ً هو بالتأكيد التحرّك الخاطىء في الوقت الخاطىء.

ويجب الأخذ بعين الإعتبار أيضا ً أنّ إيران – مع وبدون المفاوضات المباشرة – من غير المحتمل أن تتنازل كليّا ً عن “حقّها” في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلميّة. والأسئلة الرئيسية بالنسبة للولايات المتحدة هي: تحت أية ظروف أو شروط تستطيع إيران الإبقاء على أية منشآت لتخصيب اليورانيوم على أرضها، وهل ستكون الولايات المتحدة مستعدة للتكيّف مع إيران أو استيعابها بهذا الخصوص ؟

قد تقبل الولايات المتحدة في النهاية مبدأ الإحتواء بدلا ً من المنع القسري بشرط وضع نظام مراقبة صارم جدّا ً. وفي رسالة ٍ له موجهة لمجلّة ال “تايم” في عام 2006، ذكر روحاني بوضوح بأن “ايران قد تقبل بشروط التواجد المستمرّ للمفتشين اللذين سيؤكدون بمصداقيّة عدم حدوث أي تحوّل”.

أجل، بالإمكان إيجاد حلّ سلمي لبرنامج إيران النووي، وقد تكون المفاوضات الثنائيّة الأمريكيّة – الإيرانيّة الوسيلة الوحيدة التي سيتمّ من خلالها التوصّل لمثل هذه النتيجة. فكلا الجانبين يدرك أنّ فشل هذه المفاوضات قد يؤدي لنتائج كارثيّة يجب تجنبها.

الظروف مهيّأة، والفرصة موجودة ويجب ألاّ تُفوّت.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE