حان الوقت لطرد تركيا من حلف شمال الأطلسي (الناتو)
لقد بلغ الإنتهاك الفاضح لحرية الصحافة في تركيا درجة هائلةً تضع تركيا بين أكثر الدول قمعا للصحافيين. ومن المؤسف جدّا َ أن الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي اللذين يدافعان عن الصحافة الحرة باعتبارها إحدى الركائز الرئيسية للديمقراطية تركا إلى حد كبير للرئيس التركي أردوغان الحرية ليس فقط في سحق الصحافة الحرة فحسب، بل أيضا حرية التعبير والمظاهرات السلمية.
ومن السخرية هنا أن تركيا، بوصفها عضوا في منظمة حلف شمال الأطلسي، قد انتهكت جميع شروط معاهدة تأسيس الناتو المتعلقة بحقوق الإنسان. أجل، يتعين على كل دولة عضو أن تلتزم التزاما تاما ب “حماية حرية وتراث وحضارة شعوبها القائمة على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون”. وللتأكيد، فإنّ أردوغان قد سمح لنفسه بازدراء هذه المبادئ دون أي توبيخ جدير بالملاحظة من قبل أعضاء الناتو الآخرين.
لقد حان الوقت للنظر في طرد تركيا من الناتو، هذا بغض النظر عن مدى صعوبة وتعقيد هذا الإجراء الذي ستظهر تداعياته على المدى البعيد. لقد تخلت تركيا منذ زمن بعيد عن القيم الغربية في حين أصبحت دولة إسلامية متحمسة بشكل متزايد. في الواقع، وعلى عكس رواية أردوغان المتلاعبة بالديمقراطية المفترضة لتركيا، فإن البلد تحت إمرته يحكمها نظام استبدادي ليس له مكاناً بين الديمقراطيات الغربية.
إن انتهاك حرمة الصحافة الحرة والتقويض المنهجي لحقوق الإنسان يتطلبان من الغرب إعادة تقييم علاقته مع تركيا والكفّ عن البحث عن الأعذار لتبرير تخوفها وانخداعها بسلوك أردوغان الفاحش. وفيما يلي ملف من انتهاكات أردوغان الجسيمة لحرية الصحافة وقمعه للقيم الديمقراطية:
أصبحت تركيا اليوم الزعيمة الرائدة عالميا للصحافيين المسجونين. ويذكر مركز ستوكهولم للحرية، وهو وكالة للدفاع القانوني مقرها السويد، أن الحكومة التركية حتى يوليو / تموز2017 اعتقلت 228 صحفيا وحكمت على خمسة وعشرين آخرين. ويصنّف “مراسلون بلا حدود ” – بصفتهم مؤشر العالم لحرية الصحافة لعام 2017 – تركيا على درجة 155 من أصل سلّم مكون من 180 درجة تمثّل دول العالم.
لقد قام الرئيس أردوغان بإسكات جميع وسائل الإعلام التي حاولت القيام بأي تدقيق في سياساته، وخاصة حملته على أي شخص يعتبره عدوا. وعلى هذا النحو، فقد منع بشكل منهجي عن الجمهور التركي أي مصدر غير متحيز للمعلومات من الصحف المحلية والإذاعة والتلفزيون.
أردوغان يستخدم “نظام العدالة الجنائية” لملاحقة الصحافيين بتهم كاذبة بالإرهاب، أو بإهانة الرئيس أو بجرائم ملفقة ضد الدولة. وقد اتهم العديد من الصحافيين وأدينوا بتهمة الإبلاغ عن أن الحكومة تزود نظام الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بالأسلحة ، هذا في حين أن الحكومة فعلت ذلك بالفعل، وتغض الطرف عن نفط “داعش” الذي يتمّ تهريبه إلى داخل البلاد.
يمارس أردوغان بانتظام ضغطا هائلا على منظمات إعلامية مختلفة لطرد الصحافيين الذين يكتبون شيئا ينتقد الحكومة، مثل أولئك الذين عملوا في صحيفة “الجمهورية”. وُينظر إلى الصحافة الاستقصائية على أنها خيانة ضد الدولة، الأمر الذي أدى إلى خنق أي جهد من جانب الصحافيين للتحقيق في أي مخالفات ارتكبها المسؤولون، ولا سيما في عدد حالات الفساد المتفشية التي تضم عددا من الوزراء وابن أردوغان نفسه.
لقد تولى أو أغلق أردوغان شركات إعلام خاصة، بما في ذلك “فيزا بوبليكاشنز” (الشركة الأم لزمان وشيهان)، وفي كثير من الحالات عيّن أمناء لمؤسسات إعلامية، وهو أمر غير قانوني على الاطلاق وضد الدستور التركي نفسه الذي كان يعمل بجد لتمريره.
ويحظى العديد من رجال الأعمال الكبار في تركيا، الذين لديهم حيازات أو أسهم إعلامية واسعة، بمشاريع بناء رئيسية داخل المدينة مقابل الإحتفاظ بمراسليهم تحت الرقابة ومنعهم من نشر تعليقات نقدية عن الحكومة.
يستهدف أردوغان بانتظام الصحافيين ووسائل الإعلام المرتبطة بحركة غولن التي تتهمها الحكومة بأنها منظمة إرهابية. وأفادت مؤسسة “هيومن رايتس ووتش” أنه أغلق ما يقرب من 170 مؤسسة إعلامية ومنافذ نشر بموجب قانون الطوارئ الحكومي الذي صدر بعد الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو / تموز 2016، مقوّضا ً بذلك بشدة كل جانب من جوانب حقوق الإنسان وسيادة القانون.
استهدف أردوغان الصحافيين الأكراد على وجه الخصوص والناشطين السياسيين المؤيدين للأكراد الذين أعربوا عن تأييدهم للحقوق الكردية، بمن فيهم أكاديميون ورؤساء بلديات بارزون، متهمهم بصلتهم بحزب العمال الكردستاني. في الواقع، لم يرتكب أي من المتهمين أية مخالفات. اعتقالاتهم كانت تعسفية وتفتقر إلى أي جانب من جوانب الشرعية.
لقد خنق الرئيس التركي ليس فقط حرية الصحافة، ولكن حرية التعبير بشكل عام. فوفقا لتقرير تويتر حول الشفافية ، طالب أردوغان بأن يقوم تويتر بإزالة أية وظائف مزعجة أو مخالفة. ومن بين حسابات تويتر البالغ عددها 593 33 حسابا بُلّغ عنها في عام 2016، أبلغت الحكومة التركية عن ما يزيد عن 000 23 حساباً، أي أكثر من جميع البلدان الأخرى مجتمعة.
وخوفا من عقاب وملاحقات الشرطة لم تعد تجرؤ حتى وكالات الأنباء الخاصة على الإبلاغ عن أي شيء لا يروق للحكومة – بما في ذلك المظاهرات أو الإشتباكات المتعلقة بالمشكلة الكردية. وأصبحت الرقابة الذاتية من قبل الصحافيين ممارسة شائعة، هذا في حين يتم إسكات الزملاء الذين يحاولون حماية الأخلاقيات الأساسية للصحافة.
وبالنظر إلى أن المظاهرات العامة هي شكل آخر من أشكال حرية التعبير، فإن أردوغان يضمن عدم القيام بأية مظاهرة دون تصريح معيّن. ففي عام 2015 صدر مشروع قانون يسمح للشرطة باستخدام القوة المفرطة لقمع المظاهرات وسجن أولئك الذين يشاركون في مظاهرات غير مصرح بها لمدة تصل إلى 48 ساعة، وهي المدة التي يُفترض خلالها العودة إلى النظام العام. وقد يواجه المحتجون الذين يرتدون أقنعة كاملة أو جزئية السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات، خصوصا ً إذا وُجهت إليهم التهمة بنشر دعاية للمنظمات الإرهابية.
ويتعرض الصحافيون لهجمات لمجرد دعوتهم لاستئناف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني، أو إذا كانوا يشيرون إلى أعضاء حزب العمال الكردستاني كمسلحين وليس كإرهابيين. لقد وضعت حكومة أردوغان حرية الصحافة تحت الحصار، وهي عازمة على تدمير الصحافة تماما.
إن حملة أردوغان لقمع حرية الصحافة لا تقتصر على الصحافيين والمراسلين الأتراك؛ فقد توسعت إلى ما وراء حدود تركيا. فعلى سبيل المثال، طلب المسؤولون في القنصلية التركية في روتردام، هولندا من الأتراك في البلاد الإبلاغ عن أي إهانة موجهة ضد أردوغان. وعلاوة على ذلك، استهدفت تركيا العديد من الصحافيين الأجانب، من بينهم مصور صحفي فرنسي تم اعتقاله وطرده، ومراسل آخر لمحطة تلفزيونية ألمانية رفضت دخوله البلد.
واتهم مسؤولون في الحكومة التركية منظمات إعلامية أوروبية وغربية بأنها تنافق في تمثيلها لوسائط الإعلام في تركيا، حيث أن لدى الدول الغربية معايير رقابة خاصة بها فيما يتعلّق بالمسائل الحساسة المتعلقة بالأمن القومي.
وعلى الرغم من أن الإتحاد الأوروبي أصدر في بضعة مناسبات تقارير لاذعة جدّاً حول التراجع الشديد الذي تشهده تركيا بشأن حرية الصحافة، إلا أن الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة (مع مجلس أوروبا ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة) لم يتخذوا للأسف أي إجراءات عقابية لوقف هجوم أردوغان ضد الصحافة الحرة.
ومن المؤسف أن المجتمع الأوروبي والولايات المتحدة يخونان قيمهما الديمقراطية، وما زالوا يعاملون أردوغان بليونة وحذر لأنه – كما يعتقدون – لاعب مهم ضد “داعش” ولأنه يسمح للولايات المتحدة وحلفائها باستخدام قاعدة انجرليك الجوية التركية لشن هجماتها الجوية ضد “داعش”.
من المؤكد أن أردوغان نجح في ابتزاز الغرب. إنه يستخدم نفوذه بمهارة للسيطرة على تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، ويدعم الموقف الجيوستراتيجي التركي كمركز لنقل النفط والغاز إلى أوروبا.
وتركيا تحت حكم أردوغان لا تنتهك حرية الصحافة والحريات الفردية وحق الجمهور في المظاهرات السلمية فحسب، بل إنّ كل طبقة من السلطات الحاكمة في تركيا – بما في ذلك الشرطة والقضاء والبيروقراطية والقيادة السياسية لحزب العدالة والتنمية – فاسدة في جوهرها وغير قابلة للإصلاح.
لا يمكن لمنظمة حلف شمال الأطلسي أن تسمح لأحد دولها الأعضاء بتقويض التحالف من الداخل وتتوقع أن تكون قوة قابلة للحياة يمكنها الحفاظ على الأمن الأوروبي وقيمه الأخلاقية وحمايته.
ولا ينبغي لأي بلد يقوده دكتاتور يهاجم حلفاء الولايات المتحدة – مثل الأكراد في سوريا – أن يظل عضوا في حلف شمال الأطلسي، ولا ينبغي لأي بلد باع أسلحة إلى “داعش” أن يكون عضوا في حلف شمال الأطلسي.
ولا ينبغي لأية دولة تُغازل وتتشتري أسلحة من عدو أمريكا – روسيا – أن تظل عضوا في حلف شمال الأطلسي، ولا ينبغي لأي بلد يتحول إلى دولة إسلامية متطرفة من قبل زعيم متحمس أن يحافظ على مكانه كعضو في حلف شمال الأطلسي.
ولا يوجد أي بلد ينتهك كل عقائد الديمقراطية ويشارك في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ويسبب الدمار لمواطنيه يستحق البقاء في حلف الناتو.
لم تعد تركيا تحت حكم أردوغان شريكا يُعتمد عليه ولا جديراً بالثقة وأصبحت عبئا ً بدلا من أن تكون عضوا صالحا وبناء في المنظمة، الأمر الذي قد يؤثر تأثيرا سلبيّا ً شديدا على تماسك الناتو وفعاليته واستعداده لمواجهة أي تهديد للأمن الأوروبي.
ولهذا السبب، يجب على حلف شمال الأطلسي أن يحذر أردوغان أنه ما لم يتراجع عن سياساته ويعيد المبادئ الديمقراطية الأساسية، ولا سيما حقوق الإنسان وحرية الصحافة، فإن تركيا سوف تُطرد من الناتو.
وبالتأكيد، أنا لن أستغرب إن لم يتصرّف حلف شمال الأطلسي على هذا الأساس في أيّ وقت في القريب العاجل، ولكنني أشعر بشدّة أنه ينبغي إجراء مناقشة بشأن هذه المسألة الحرجة داخل الناتو.