إعادة إحياء المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية الآن لن تجدي نفعا ً
لن تُجدي زيارة الرئيس ترامب القادمة إلى إسرائيل وفلسطين – التي يأمل من خلالها إعادة إحياء عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية – نفعا ً إلا إذا فهم الرئيس تماما تعقيدات الصراع وسبب فشل المحاولات السابقة التي قامت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للتفاوض على اتفاق سلام. قال ترامب في الآونة الأخيرة: “أريد أن أرى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ليس هناك سبب يحول دون السلام بين إسرائيل والفلسطينيين – لا شيء على الإطلاق”. إنّ تبسيط ترامب المفرط للصراع يشير إلى عدم وجود أدنى فكرة لديه حول ما سيتطلبه تحقيق السلام، ولماذا تُعتبر عملية استئناف محادثات السلام ميّتة لدى وصوله.
هناك ثلاثة عوائق رئيسية أمام عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية يجب التخفيف منها إلى حد كبير قبل استئناف أي مفاوضات: (أ) عدم الثقة العميق تجاه الطرف الآخر؛ (ب) لدى الجانبين شعور عميق بانعدام الأمن المتبادل؛ ج) أوهام لدى الدوائر المتطرفة القوية على كلا الجانبين التي تسعى إلى إنكار حقّ الطرف الآخر في أن يكون له دولة خاصة به والذين يعتقدون أنه بإمكانهم الإستحواذ على كل شيء. وهذه هي النقطة التي يجب أن تبدأ منها عملية المصالحة، ويمكن لترامب أن يسهم إسهاما كبيرا في تحقيق السلام إذا تمكن من إقناع الطرفين ببدء عملية من هذا القبيل للتخفيف من العوائق الثلاثة.
عدم الثقة: إن انعدام الثقة المتفشي والمتبادل لا يمكن أن يضعف أو يُخفّف من خلال المفاوضات، أو يتلاشى بمجرد الموافقة على بدء كلّ طرف ٍ في الثقة بالطرف الآخر – بل هي عملية يجب أن تنمو. ولا يزال انعدام الثقة من أشد المشاكل العسيرة التي لا تزال تطارد كلا الجانبين وأصبحت مزروعة في ذهن كلّ إسرائيلي وفلسطيني تقريبا إذ لم يبذل أي منهما جهدا للتخفيف منه. بل على العكس من ذلك، فقد إستمروا في التورّط في روايات شعبيّة معادية لبعضها البعض واتخاذ إجراءات واضحة على أرض الواقع بطرق لا تؤدي إلا إلى تعميق عدم الثقة.
لقد خلق عدم الثقة المستمر موقفا عقائديا من العناد والإفتراضات المعززة حول النوايا الحقيقية لبعضهم البعض. وأدى غياب الثقة أيضا إلى الشلل الإجتماعي وفقدان الأمل في الوقت الذي أثار فيه الخوف والشعور العميق بعدم اليقين وعدم القدرة على تعزيز الروابط الاجتماعية. وهكذا، فقد تعمّق هذا العجز في الثقة لدرجة لم يعد عندها من السهل تصحيحه أو معالجته ببساطة على طاولة المفاوضات. لقد أصبح كلّ طرف ٍ مشبوها ً لدى الطرف الآخر في كلّ عمل ٍ يقوم به، مهما كان القصد منها جيدا، بحيث أنّ الشكّ المتبادل أدّى إلى تعميق الشعور بعدم الجدوى في تقديم أية تنازلات.
ولهذه الأسباب، ينبغي على ترامب بكلّ بساطة ألاّ يحث كلا الجانبين على إستئناف المفاوضات.وبالتالي، ينبغي له أن يحثهما ويطلب منهما المشاركة فيما بينهما من خلال اتخاذ تدابير تصالحية متبادلة لزرع الثقة. وحينها فقط سيعتبرون بعضهم البعض شركاء جديرين بالثقة، وهو أمر أساسي لاستئناف مفاوضات السلام مع الثقة بأنهم سينجحون.
ولتحقيق هذه الغاية، يجب على ترامب، من بين أمور أخرى، أن يضغط على نتنياهو لوقف التوسع وإضفاء الشرعية على المستوطنات غير الشرعية، وإطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين، وتوفير تصاريح بناء مع الحد الأدنى من القيود، وتسهيل قيام الفلسطينيين بإجراء صفقات تجارية في إسرائيل، والسماح لعدد أكبر من الفلسطينيين للعمل في إسرائيل، وإعلان أن إسرائيل مستعدة لمناقشة جميع القضايا المُختلف عليها بين الجانبين.
وبالمثل، يجب على ترامب الضغط على السلطة الفلسطينية لإنهاء كل التحريض، والإمتناع عن اللهجة اللآذعة العلنيّة ضد إسرائيل، وإدانة جميع أعمال العنف، والتحدث بصراحة عن ضرورة تقديم تنازلات مؤلمة والسعي لتحقيق مصالحة حقيقية مع حماس وحثها – بمساعدة الولايات المتحدة – على الإنضمام إلى المجموعة العربية من خلال تبني مبادرة السلام العربية.وأخيرا، يجب على ترامب أن يناشد القادة على كلا الجانبين أن يتفاعلوا مع بعضهم بعضا على أساس منتظم لتعزيز الكيمياء الروحانية والثقة الشخصية بينهم.
وبالإضافة إلى ذلك، يتعين على الجانبين اتخاذ عدة تدابير من شعب لشعب، بما في ذلك: تسهيل السياحة في كلا الإتجاهين، وتشجيع النشاط النسائي، ودعم إجراءات التواصل بين الطلاب، وتوفير فرص للشباب الفلسطيني للدراسة في الجامعات الإسرائيلية، والشروع في أنشطة رياضية مشتركة، وتبادل الفن والمعارض، وهذه كلها إجراءات أساسية لغرس الثقة وبناء علاقات الجوار.
الأمن القومي: هناك حالة من الخوف والقلق على المستقبل يعاني منها كلا الجانبين، وهذه تتغذى باستمرار من شعور عميق بانعدام الأمن الوطني. ويستند هذا القلق إلى حد كبير إلى تجارب وخبرات سابقة.
وعلى الرغم من براعتها وقوتهاالعسكرية الهائلة، فإن إسرائيل ما زالت تشعر بالضعف بسبب القصف العشوائي والأعمال الإرهابية وأنواع أخرى من العنف الشديد مثل الطعن والدهس. لقد أصبح هذا الشعور بانعدام الأمن شعار الدولة، مما دفع إسرائيل في كثير من الأحيان إلى اتخاذ إجراءات غير متناسبة ضد الفلسطينيين.
وبالنسبة للفلسطينيين، فإن القوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة والإدراك أنّه لا يمكن لهم يوما ً التغلّب عليها يغرس في نفوسهم الشعور العميق بانعدام الأمن، الذي غالبا ما يعززه الخوف من الغارات الليلية وهدم المنازل وفقدان الأراضي والإعتقال الإداري وأمور أخرى كثيرة. وحقيقة أن إسرائيل يمكن أن تتخذ هذه التدابير كما تشاء تزيد من حدة الشعور العميق بالضعف بين الفلسطينيين.
ولتخفيف هذا الشعور المتبادل بانعدام الأمن، يجب على ترامب أن يصر على أن يتخذ الجانبان تدابير ملموسة لوقف العنف، وإدانته عندما يحدث، والعمل معا لإثبات التزامهما وحساسيتهما تجاه المخاوف الأمنية لبعضهما البعض. وعلاوة على ذلك، يجب على كلا الجانبين التنسيق والتعاون بشكل كامل في جميع المسائل الأمنية الداخلية، وتبادل المعلومات الإستخبارية، والعمل عن كثب لاستباق أي أعمال عنف يخطط لها من قبل متطرفين على كلا الجانبين.
الأوهام: لدى كلا الجانبين دوائر إنتخابية قوية جدا ومؤثرة على نطاق واسع لا تزال تعتقد أنه يمكنها الإستحواذ على كل شيء. ففي إسرائيل تدعو أحزاب مثل حزب البيت اليهودي (هابايت هايهودي) الذي يقوده نافتالي بينيت، وهو جزء من الإئتلاف الحكومي، علنا إلى ضم معظم الضفة الغربية لأنّ أتباعه يعتقدون أن لليهود الحق الأصيل في كامل “أرض إسرائيل.”
وأما على الجانب الفلسطيني، فإن حماس (على الرغم من إعلانها المرحلي أنها ستقبل حل الدولتين على أساس حدود عام 1967) تصرّ على أن كل فلسطين التي كانت واقعة تحت الإنتداب البريطاني ، بما فيها إسرائيل، هي أرض فلسطينية، وفي أحسن الأحوال سوف تتسامح مع اليهود بأن يعيشوا تحت الحكم الفلسطيني.
يعيش كلا الجانبين مع هذه الأوهام. ولسوء الحظّ، فإن قيادتهم لم تفعل شيئا ً تقريبا ً سوى نشر هذه المعتقدات. وقد ساعدت أوهام إسرائيل في خلق المنطق لاستمرار الإحتلال، والمتطرفون الفلسطينيون متمسكون من الناحية الأخرى بأوهامهم بشكل ٍ أعمى كما يفعل الإسرائيليون، الأمر الذي يؤدي إلى المقاومة والخوف من التغيير. وقد أسهم ذلك في جعل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مزمنا ومستعصيا على حدّ سواء.
ولتحرير كلا الطرفين من أوهام أنّ بإمكان أي منهما أن يستحوذ على كلّ شيْ ، يجب على ترامب أن يجعل من الواضح تماما للجانبين أن الولايات المتحدة يمكن أن تساعد في تسهيل التوصل إلى اتفاق في وقت لاحق فقط عندما يقبل الطرفان هذه الحقائق الثلاثة التي لا مفرّ منها، وهي: أ) لا يمكن أن يستحوذ طرف على كلّ شيء (ب) التعايش السلمي ليس واحدا من خيارات عديدة، بل هو الخيار الوحيد؛ (ج) لن ينتهي الصراع إلا على أساس حل الدولتين.
يجب على ترامب أن يفهم أن نجاح محادثات السلام المستقبلية يتوقف تماما على معالجة العقبات الثلاث المذكورة أعلاه من خلال عملية المصالحة، وأن أفضل شيء يمكن للولايات المتحدة القيام به في هذه المرحلة هو الشروع في عملية مصالحة ولعب دور الوسيط ، هذا في حين تقوم بمراقبة كلا الطرفين على حد سواء للتأكد من أنهما يرقيان إلى هذه المتطلبات.
أنا شخصيا لا أعتقد أن نتنياهو سيسمح بإنشاء دولة فلسطينية تحت سمعه وبصره، ولن يتمكن عباس من تقديم التنازلات اللازمة والبقاء على قيد الحياة سياسيا، كما أن “مهارات ترامب التفاوضية السحرية” لن تحقق أي تقدم كبير.
ومع ذلك، فإن عملية المصالحة هذه لا تزال حاسمة في أي ظرف من الظروف لتمهيد السبيل أمام حكومة إسرائيلية جديدة في المستقبل وللسلطة الفلسطينية لتحقيق السلام على أساس متين.