أفغانستــان: الحرب المفسدة أخلاقيّـــا ً
لقد مرّ ستة عشر عاما وما زلنا نحارب حربا ً في أفغانستان التي لم تعد فقط أطول حرب ٍ في التاريخ الأمريكي (بتكلفة تقترب من تريليون دولار ودماء الآلاف من الجنود الشجعان)، ولكن في الواقع حرب مفسدة أخلاقيا ويبدو أنه لا يوجد مخرج منها بأي سرور أو بهجة بل العار.كان من الضروري في البداية غزو أفغانستان لتدمير القاعدة بعد أحداث 11 أيلول، ولكن كان ينبغي علينا بمجرد هزيمتها الإنسحاب تاركين ورائنا بعض القوى لتنظيف الفوضى. ولكن بدلاً من ذلك قررنا إدخال الديمقراطية وهذه مفهوم غريب تماما على الأرض التي تحكمها القبائل منذ التاريخ والتي لم تقدر أية قوة أجنبية الحكم أو الإستيلاء عليها تماما ً لفترة طويلة.
واليوم، ما زلنا نناقش أفضل مسار للعمل لإعطاء هذه الحرب شكلا ما من نتيجة مرضية. ولكن قبل أن نناقش الحلول المرتقبة، ينبغي على أية حال أن نلقي نظرة فاحصة على التكلفة الحقيقية للحرب وتداعياتها التي ستباغت الكثيرين إلى حدّ كبير.
قُتل في هذه الحرب ما يقرب من 2400 جندي أمريكي وجُرح 20.000. فقد أكثر من 33.000 مدني أفغاني حياتهم. وقتل عدد قياسي من المدنيين – 1.662 شخص- في الأشهر الستة الأولى من عام 2017 وحده، وجُرح أكثر من 3.581 مدنيا. وبصفة عامة، يقدر عدد الضحايا الأفغان ب 000 .225 شخص إضافة ً إلى 2.6 مليون لاجئ أفغاني وأكثر من مليون مشرد داخل البلاد.
بلغت تكلفة الحرب حتى الآن نحو 783 مليار دولار؛ وتبلغ تكلفة كل جندي 3.9 مليون دولار في السنة. ولو وزّعنا تكلفة الحرب بين مواطني أفغانستان البالغ عددهم 30 مليون نسمة، فإنها ستصل إلى 000 33 دولار لكل رأس، ولكن المواطن الأفغاني العادي لم يحصل على أية منفعة من كلّ ذلك في بلد بلغ متوسط دخل الفرد السنوي 670 دولارا فقط في عام 2014.
وفي حين ننفق هذه المبالغ من المال على حرب لا يمكن ربحها، يعيش 15 مليون طفل أمريكي (21 في المائة من أطفال أمريكا) في أسر دون عتبة الفقر الإتحادية. مئات الآلاف يذهبون إلى النوم جياع وكثير منهم يعيشون في ظروف سيئة، في بنية تحتية ومنازل على وشك الإنهيار.
ولكي نفهم مهزلة هذه النفقات على الحرب، فكّر فقط في التكلفة المترتبة على أمريكا، ليس فقط في الأرواح البشرية والمال، ولكن في موقفنا الأخلاقي في العالم والتفكير المتفشي والمتهالك بأنه ما زال ممكنا ً ربح الحرب بالعضلات العسكرية .
أجل، من السذاجة أن نعتقد أنه بعد 16 عاما من القتال سيغيّر إيفاد قوة عسكرية إضافية قوامها 000 4 جندي (على النحو الذي أوصى به وزير الدفاع ماتيس) شيئاً من الواقع، هذا عندما لم يتمكن أكثر من 000 140 جندي في أوج الحرب من الفوز وخلق بنية سياسيّة وأمنية مستدامة تسمح لنا بالخروج بكرامة.
لا أحد في إدارة ترامب، بما في ذلك البنتاغون، يوحي بأن القوات الإضافية ستفوز بالحرب. وفي أحسن الأحوال يمكنها أن تعيق التقدم المستمر لطالبان التي تسيطر الآن على أكثر من ثلث البلد – وماذا بعد ذلك ؟
بعد زيارته لأفغانستان طلب من السناتور جون ماكين تحديد مفهوم الفوز. قال: “الفوز هو أن تكون معظم المناطق في البلاد تحت السيطرة والعمل نحو نوع من وقف إطلاق النار مع طالبان”. ولكن كما أشار روبرت بوروساج من جريدة “الأمة” (The Nation) بقوله:” كان لدينا مناطق رئيسية تحت السيطرة واستمرت حركة طالبان في المقاومة في حين استمر الفساد والإنقسام في شل الحكومة الأفغانية “. وخلف هذا التهديد المتنامي لحركة طالبان، يعود تنظيم القاعدة إلى القوة الكاملة وينشر جناحيه بنجاح إلى ما هو أبعد من الحدود الأفغانية.
وبشكل ٍ عام، فإن الحالة اليوم هي أسوأ حتّى في المجالين السياسي والأمني من ذي قبل، واحتمالات خلق ظروف مستدامة على الأرض وحكومة فعّالة في كابول هي صفر تقريبا ً. وللأسف، وزير الدفاع ماتيس يشبه مدمن قمار يصبّ المال في آلة قمار، ولكن ينتهي به الأمر مكتئبا ً ومحبطا ً لضياع كل الدولارات، متأملا ً أن يربح – عكس أي أمل – الجائزة الكبرى “جاك بوت” التي لن يحصل عليها أبدا ً.
قد يسأل المرء وزير الدفاع ماتيس ما هو هدفنا الآن في أفغانستان وما هي إستراتيجيتنا للخروج ؟ لم يقدم أي وزير دفاع في السنوات الستة عشر الماضية إجابة واضحة على هذا السؤال، والآن يطلب منا المقامرة مرة أخرى بحياة جنودنا دون أمل في الفوز بهذه الحرب المنهكة التي أصبحت الآن “حرب خيار”، أي بمعنى ليست حربا ً مفروضة علينا بالقوّة.
مما لا شك فيه أنه لن يكون هناك حل عسكري للحرب الأفغانية.وكلما أسرعنا في قبول هذا الواقع، مهما كان مرّاً، يمكننا بشكل ٍ أفضل أن نركّز على نتيجة عملية لا يمكن أن تظهر إلا عن طريق المفاوضات مع عناصر معتدلة من حركة طالبان .
والخيار الثاني لإجراء الحرب الذي يدافع عنه رئيس الإستراتيجيين في إدارة الرئيس ترامب ستيف بانون هو استئجار مقاولين خاصين بدلا من القوات الأمريكية لمحاربة حرب بالوكالة نيابة عنا. لا يوجد شيء أكثر ازدراء من هذا الاقتراح. إذا كان علينا أن نختار هذا الطريق، أي إرسال مرتزقة إلى أراض ٍ أجنبية للقيام بعمليات القتل نيابة عنّا، هل سيكون هناك شيئا ً أكثر انحطاطا أخلاقيا من هذا الخرق لإنسانيتنا؟
وحقيقة أننا استخدمنا مرتزقة في الماضي لكي يعملوا كحراس أمن أو لإدارة مراكز احتجاز كان أمرا ً سيئاً بما فيه الكفاية، لأنهم أساءوا استخدام مهمتهم وارتكبوا جرائم فظيعة في حين جمعوا مليارات الدولارات.
ينبغي ألا نكرر أبدا مثل هذه الممارسات التي تستحق الشجب أخلاقيا. ليس من المُستغرب أن يأتي هذا المخطط من المعلّم في المناورة والتلاعب، أي بانون، الذي أدخلت مشوراته لترامب حتى الآن الرئيس في متاعب أكبر من قدرته على التعامل معها. وحرب لسنا مستعدين أن نضحي لأجلها بحياة جندي واحد حتّى ولو لقضيّة تستحق يجب ألاّ نخوضها أبدا ً.
في سلسلة من المحادثات التي أجريتها مع أجمل خان زازاي، زعيم قبيلة والرئيس الأعلى في مقاطعة باكتيا في أفغانستان، تحدث هذا بشعور عميق من الإحباط إزاء النهج العسكري الأمريكي الذي لم تتاح له أبدا ً فرصة للنجاح. قال: “أفغانستان بلد قبلي، والقبائل هي الماضي والحاضر والمستقبل. ولكسب هذه المعركة الشرسة ضد طالبان وشركائهم [بما في ذلك القاعدة وتنظيم داعش] بدون دعم ومساندة القبائل ستكون معجزة، وأشك في أن معجزة تحدث في هذه الأيام “.
لقد أكّد زازاي من جانبه على سذاجة الإدارات الأميركية المتعاقبة قائلا يبدو إن المسؤولين الحكوميين في وزارتي الخارجية والدفاع الذين يعودون إلى عهد بوش “مهووسون برؤيتهم للديمقراطية” و” حقوق الإنسان ” أو يؤمنون فقط في حل عسكري أمريكي. إنهم لا يؤمنون بالحلول المحليّة الأفغانية التي تقودها القبائل، أو حتى الفوز بالقلوب والعقول “.
لقد حان الوقت لكي تدرك الولايات المتحدة أن الحل طويل الأمد يكمن، كما قال زازاي، بتأييد وبدعم كاملين من القبائل. وقال لي إنه مستعد لجمع رؤساء جميع القبائل للحصول على التزام من كبار المسؤولين الأمريكيين بتمكينهم من تقديم أربعة إلى خمسمائة مليون دولار سنويا على مدى سنوات قليلة (وهو جزء بسيط ممّا ننفقه اليوم). والغرض من ذلك هو تجنيد وتدريب ميليشياتهم لمحاربة معاركهم الخاصة – وليس لتأجير مرتزقة يرغبون في إطالة أمد الحرب فقط لإثراء أنفسهم.
إن الحل لمشكلة أفغانستان يكمن في القبائل الأفغانية التي يجب أن تأخذ زمام المبادرة في محاربة التمرد. رجال القبائل سيقاتلون من أجل بلادهم لأنهم يريدون إنهاء التدخلات الأجنبية الشائنة التي لم تفعل شيئا سوى التسبب في الفوضى باسم متابعة ديمقراطية وهمية.
وفي النهاية، يكمن الحلّ في مفاوضات سلام مع المعتدلين في حركة طالبان، وهم مواطنون أفغان ولن يتم عزلهم من أراضيهم، ولا أحد أفضل تجهيزا لتحقيق ذلك من زعماء القبائل. إنهم يريدون أن يأخذوا زمام الأمور في أيديهم وأن ينهوا معاناة عقود طويلة من الموت والدمار التي كان عليهم تحملها في الماضي، ولربّما الإستمرار في تحملها مستقبلا ً.