على الكونغرس ألاّ يتلاعب بصفقة إيران، بل البناء عليها
إن نهج إدارة ترامب فيما يتعلّق بصفقة إيران محفوف بالمشاكل إذ أنه خارج سياق الصراعات المتعددة التي تجتاح جميع أرجاء الشرق الأوسط وخارج مدى مشاركة إيران فيها والدور الذي يمكن أن تلعبه في حلها، بما في ذلك الصراعات في سوريا واليمن والعراق ولبنان. والسؤال المطروح هو هل ستكون طهران أكثر تعاونا في البحث عن حلول لهذه الصراعات إذا كان الموقعون على صفقة إيران، وخاصة الولايات المتحدة، ملتزمين بها تماما، أم هل ستضيف إيران الوقود على الحرائق الإقليمية لأن الصفقة ستُلغى من طرف ترامب إذا فشل الكونغرس في التوصل إلى اتفاق مختلف تماما ؟
ومع أخذ جميع الحسابات بعين الإعتبار، تواصل إيران التقيد التام بجميع أحكام الإتفاق. وما يدعو للسخرية هي أنه عندما تقوم الولايات المتحدة أخيرا بعقد صفقة بعد سنوات من العداء الشديد المتبادل بعد الثورة الإيرانية عام 1979 وتتراجع عنها، فإنّ هذا الأمر يعزز فقط اعتقاد الإيرانيين بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها ولا تزال ملتزمة بتغيير النظام.
وعلى الرغم من أنّ الإتفاق كان مقصورا على سعي إيران إلى تنفيذ برنامج نووي مسلح، إلا أنه يتيح فرصاً للبناء عليه في البحث عن حلول للصراعات الإقليمية، وخاصة الإنتهاكات المستمرة لإيران، غير أنّ قرار ترامب المتهور سيستبعد أي حافز يمكن أن يغري إيران لتكون لاعباً إقليمياً إيجابياً.
أنا لا أتغاضى عن سلوك إيران الشائن وأدين بأقوى العبارات دعمها للمتطرفين العنيفين والمنظمات الإرهابية؛ إنني أدينها لكونها من أكثر المجرمين ضراوة وراء الحرب الأهلية المأساوية في سوريا ودعمها الشديد للحوثيين في اليمن وللمتمردين الشيعة في العراق ولحزب الله في لبنان. ومع ذلك، فإنه لا يجوز ببساطة إستبعاد إيران كما لو أنّ لا علاقة لها بالأحداث المأساوية التي تجري في المنطقة والتي لا يمكن حلها دون مشاركة إيران الكاملة.
ومن الحكمة لأولئك الذين يتعاملون مع إيران أن يتذكروا أن هناك بعداً نفسياً لسلوك إيران. فإيران قوة رئيسية في الشرق الأوسط؛ هي أمّة فخورة ذات تاريخ عريق وطويل يمتد لآلاف السنين وموارد بشرية وطبيعية ضخمة، وتتمتع بموقع جغرافي استراتيجي هامّ وأهمية لا يضاهيها في ذلك أي بلد آخر في المنطقة.
ولكن هذا بطبيعة الحال لا يبرّر سلوك إيران، غير أنه بالنظر إلى فخرها القومي ذو الجذور العميقة، فإنها لا تستجيب بشكل جيد للتخويف والتهديد. والآن بعد أن امتثلت إيران امتثالا كاملا للإتفاق الذي تم التفاوض عليه بحسن نية من قبل إدارة أوباما، عززت طهران مصداقيتها ومكانتها في نظر المجتمع الدولي. للأسف، لا يمكن أن يقال نفس الشيء عن إدارة ترامب.
فلماذا توافق طهران على إعادة التفاوض على الإتفاق عندما يظل الإتحاد الأوروبي وروسيا والصين ملتزمة به كما هو عليه الآن؟ وفى يوم الإثنين الماضى دعم الإتحاد الأوربي الإتفاق بقوله: “إن الإتحاد الأوروبي ملتزم بالتنفيذ الكامل والفعال المستمرّ لجميع أجزاء الإتفاق” لأنه ساري المفعول ويعمل وهو جزء اساسى من جهود منع إنتشار الأسلحة النووية. إن المخاطرة باتفاق إيران سوف يعزل الولايات المتحدة بدلا من إيران لأن الولايات المتحدة هي الطرف الذي ينتهك روح ونص الاتفاق.
إن احتمال قيام الكونغرس بتعديل الإتفاق لجعله مستساغا لترامب ضئيل للغاية، وسوف يفتح الباب أمام إيران للإنسحاب من الصفقة واستئناف تطوير برنامجها النووي، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى انتشار الأسلحة النووية.
إذا كان ترامب جادّا ً حقّا ً بكلمته وأنهى الصفقة تماما، فإنّ هذا من شأنه أن يؤدي إلى إعادة فرض العقوبات على إيران ضد إرادة حلفائنا الأوروبيين، الأمر الذي سيوسّع فقط خلافهم مع الولايات المتحدة لأنهم مصممون على عدم اتباع سياسات ترامب المضللة والمتناقضة.
وبالنسبة لرئيس ساذج في شؤون العلاقات الخارجية والآثار المترتبة على إنهاء الصفقة يرفض الإستماع إلى نصيحة فريق الأمن القومي (بما في ذلك وزير الدفاع ماتيس) بأن الصفقة تخدم مصالح الأمن القومي الأمريكي هو أمر مدهش حقّا ً.
وبدلا من ذلك يستمع ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يتجاهل حقيقة أنه بمجرد إلغاء الصفقة ستكون إيران حرة في استئناف برنامجها النووي الذي يمكن أن يشكل تهديداً خطيرا للأمن القومي الإسرائيلي الذي يريد نتنياهو صدّه. وعلاوة على ذلك، فهو ينظر إلى إيران من خلال أضيق العدسات، كما لو أن طهران لا تستجيب إلا للغة القوة والعقوبات، وهو أمر ٌ في منتهى الغباء.
وحتى لو كانت إيران عازمة على حيازة أسلحة نووية يوما ً ما ، وهو أمر لا ينبغي إستبعاده كليّا ً، فإن التفكير بأنها عازمة على تدمير إسرائيل أو أي حليف آخر للولايات المتحدة في المنطقة هو أمر سخيف. طهران غير متهورة، تزن الأمور، حذرة وعقلانية. إنها تعلم أنه بمجرد أن تبدأ في تطوير أسلحة نووية، فإن إسرائيل أوالولايات المتحدة أو كليهما ستستخدم أي وسيلة (بما في ذلك القوة العسكرية) لمنعها من تحقيق هدفها. في الواقع، مهما كانت إيران متشددة، فإن النظام ليس انتحاريا.
أي تعديل على الإتفاق ينبغي القيام به أولا ً من خلال القنوات الدبلوماسية. هذا يعني، إذا كان الغرض من ذلك هو منع إيران من متابعة برنامج نووي مسلح بمجرد انتهاء الصفقة الحالية، فلماذا لا تُشرك إيران الآن في دبلوماسية هادئة (على الرغم من المعارضة الشعبية الصريحة)، ويُقاس أين تقف حقا، وأي نوع من المقايضة أو التعويض قد تطلبه طهران أو تسعى إليه لتعديل الإتفاق.
من المؤكد أن الولايات المتحدة – في البحث عن حل للصراع مع طهران – يجب أن تسعى إلى المناطق أو القطاعات التي توجد فيها مصالح متبادلة تخدم كلا الجانبين بشكل جيد. إن الصراعات المستعرة في الشرق الأوسط تتيح فرصا للعمل مع إيران لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا والتخفيف من حدة الصراع في اليمن، وحتى التعاون على التصدي للتطرف العنيف. أجل، إيران تسعى للهيمنة الإقليمية، ولكن طالما أنها تعامل باحترام وتشعر بأن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير النظام الآن أو في أي وقت في المستقبل، فإنها ستهدّيء من طموحاتها.
إن حملة ترامب الطائشة والمدمرة التي تعد بتمزيق إتفاق إيران في أول يوم للرئيس في منصبه لم تفعل شيئا سوى إحراج الولايات المتحدة بتكرار ما يقوله الرئيس بغباء بأن الصفقة نفسها كانت أسوأ صفقة أبرمتها الولايات المتحدة على الإطلاق.
وإذا بقي لأعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء مجلس النواب الجمهوري أي وزن أو إعتبار، ينبغي عليهم أن يتوقفوا عن التصرف مثل طائفة أو فرقة من المتديّنين المعجبين التي تتبع بشكل ٍأعمى زعيم أعمى، وأن يقوموا بتمرير مشروع قانون من شأنه أن يمنع ترامب من إنهاء الصفقة على غرار ذلك القانون الذي مرّروه وانتزع منه السلطة لرفع العقوبات عن روسيا بأمر تنفيذي.
قد يكون الكونغرس قادرا على تعديل الصفقة، ولكن خسارة الدعم من حلفائنا – العازمون على الحفاظ على الصفقة في مكانها ورفض إعادة فرض عقوبات على إيران – سيكون أكبر إحراج لما تبقى من قيادة أمريكا.